IMLebanon

رداً على الحملات السلبية: هذا ما أنجزه لودريان!

 

 

لم تستسغ المراجع الديبلوماسية الفرنسية ومعها تلك التي رافقت زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان لبيروت الروايات السلبية التي حكمت عليها بالفشل. فبعد أيام على مغادرته بدأت هذه المراجع حملة واسعة تعدّد الإنجازات التي تحققت وما يمكن ان تؤدي اليه زيارته السادسة لبيروت. وفي انتظار ما يؤكّد الروايتين او ينفيهما، هذه أبرز عناوين الحملة المضادة.

بعد أقل من 24 ساعة على مغادرة لودريان، وقبل انكبابه على كتابة التقرير الذي سيرفعه إلى الرئيس ايمانويل ماكرون عشية القمة الفرنسية – الاميركية المقرّرة إبان زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس جو بايدن لباريس بعد المشاركة في الاحتفالات السنوية بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي، بدأت حملة ديبلوماسية وسياسية مضادة للتخفيف من حدّة النظريات السلبية التي لحقت بها، ودحض «التهمة» بفشل الزيارة السادسة له إلى بيروت. كما بالنسبة الى تصحيح القول بأنّه «غادر كما جاء خالي الوفاض»، في ظل «الصمت المطبق» الذي ميّز زيارته الاخيرة عن سابقاتها، وعدم صدور اي بيان رسمي عن السفارة الفرنسية جرياً على العادة في نهاية كل زيارة.

 

ولا يخفى على المراقبين عند مقاربتهم للعلاقات الديبلوماسية بين الدول، أن ليس هناك ما يسمّى النجاح او الفشل في مهمّة ما. فالنتائج المترتبة على أي حراك ديبلوماسي تُقاس بما خطّط وما أراده منه وما حصده صاحبه في النتيجة. وهي امور قد لا تتطابق مع تمنيات الطرف الآخر وما ابتغاه، في ظل فقدان اي وسيلة للإحاطة الكاملة والشاملة بهذه النتائج وخصوصاً عندما يتصل الامر بقضية متشعبة ومعقّدة كتلك التي تتسمّ بها الأزمة اللبنانية، وقد تعدّد فيها الطباخون الدوليون والإقليميون الساعون الى فكفكة عقدها.

 

وقياساً على هذه المعادلة المعقّدة، فقد سعت مراجع سياسية وديبلوماسية قريبة من التوجّهات الفرنسية الى تغيير الصورة السلبية التي ارتسمت في لبنان لمجرد انّ لودريان لم يكشف عن أي من النتائج التي توصل اليها. كما انّه لم يجر اي مقاربة للخطوات المقبلة وما يمكن ان يتحقق مما سعى إليه لجهة التفاهم على المخارج الممكنة للأزمة التي تعصف بالبلاد بوجهيها الأمني والدستوري. فكلاهما شكّلا عنوانين للزيارة في مسعاه لتطبيق ما قالت به المبادرة الفرنسية لخفض التصعيد في الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية.

 

لقد كان واضحاً انّ لودريان سعى إلى استكشاف مصير الخطة التي اقترحها وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه في اواخر نيسان الماضي، وتتعلق بالترتيبات الأمنية التي اقترحها على جانبي الحدود والمساعي المبذولة ليس لحصر التصعيد العسكري فحسب انما للتوصل إلى وقف للنار وفق مجموعة من الخطوات المؤدية إلى تنفيذ القرار 1701 الذي اوقف الأعمال الحربية على الجانبين منذ العام 2006، وتظهير الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة تمهيداً للتخلّي عن خط الانسحاب المعروف بـ «الخط الازرق». كما بالنسبة إلى دفع اللبنانيين للاتفاق على تحديد موعد جلسة عامة لانتخاب الرئيس، وإن اقتضت الحاجة الى عقد دورات متتالية حتى إتمام هذه الخطوة قبل القيام بأي مهمّة تشريعية أخرى كما يقول به الدستور.

 

ولما غاب الجواب على لسان لودريان عن أي من المحورين، تعدّدت السيناريوهات التي تسرّبت حول لقاءاته وتضاربت الروايات حول عدد منها. ولما فهم انّ مصير الخطة الخاصة بالجنوب ما زال رهن الأجوبة الاسرائيلية التي لم تتسلّمها باريس. وبعد طي الملف الأمني والعسكري من زيارته، بقي ما هو مطروح للبحث محصوراً بالتثبت مما انتهى إليه مسعاه حول الاستحقاق الرئاسي. وهو ما لفّه الغموض عندما تعدّدت التسريبات الخاصة بفكرة طرحه لـ «المرشح الثالث» من عدم الإشارة إلى هذا المنحى. وإن كان اياً من طرفي «الثنائي الشيعي» قد تخلّى عن أولوية ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية واصراره على المضي بترشحه. وعليه فقد اقتصر الردّ على التأكيد انّ الانجاز الفرنسي الذي تحقق يكمن في أمرين:

 

ـ أولهما، الحديث عن وقف الربط بين ما يجري في غزة والاستحقاق الدستوري، وإبقاء الربط بين ما يجري هناك والوضع في جنوب لبنان. وهو ما عُدّ إنجازاً بعدما كانت كل الأجواء التي سادت قبل الزيارة تتحدث عن الربط النهائي بينهما.

 

ـ وثانيهما، يتصل بالمرونة التي عبّر عنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في حديثه عن خطوتين أولاهما الحديث عن إمكان نيل موافقة «كتلة التنمية والتحرير» على تأمين النصاب القانوني لجلسات انتخاب الرئيس وفي الدورات المتتالية، عدا عن تخلّيه عن فكرة «الحوار» واللجوء الى نوع من «التشاور» على رغم من المعنى الموحّد لهذا «التصنيف الغامض» بين مثل هذه العبارات التي تسمح به اللغة العربية «المطاطة».

 

وإلى هذه الملاحظات على اهميتها ـ بالمنطق الفرنسي والخماسي ـ لا يمكن تجاهل الإطلالات الإعلامية التي سارع اليها السفير المصري في بيروت علاء موسى لإلقاء الضوء على ما أنجزه لودريان والتأكيد انّ الحديث عن هاتين النقطتين الآنفتي الذكر صحيح ودقيق. وزاد في إصراره على نفي الرواية التي قالت بـ «تعليق» عمل «الخماسية»، معتبراً انّ مثل هذا الحديث لا أساس له من الصحة، وأنّ اللجنة مستمرة بمهمتها التي تكفّلت بها، وهي تحتاج الى التوقيت المناسب الذي ترصده بدقّة متناهية للانتقال من مرحلة إلى اخرى اكثر حزماً وإيجابية. مع تأكيده الدائم بإلقاء المسؤولية على الاطراف اللبنانيين الذين عليهم وحدهم ترجمة الخطوات الدستورية والعملية لانتخاب الرئيس، وانّ دور اللجنة لن يقارب في أي مرحلة مسألة الاسماء كما يطمح بعض اللبنانيين، ولا الخطوات الدستورية التي يتمّ التفاهم عليها بين مختلف الأطراف.

 

عند هذه المؤشرات، يبدو للمراقبين العارفين بكثير من الاتصالات، أنّ «الهجمة الديبلوماسية» الجديدة ما زالت في بدايتها، وان غياب السفيرة الاميركية عن بيروت لا يعطي أي مؤشر سلبي، فهي ستشارك في لقاءات لسفراء بلادها في العالم. وانّ لكل من السفراء الآخرين أجندته على الساحة اللبنانية. ومهما تعدّدت المعلومات التي تتحدث عن خلافات فإنّها ليست دقيقة طالما انّ الجميع يعمل تحت سقف واحد، وأنّ ما يجري في باريس والحراك الذي تشهده الدوحة التي تحولت مقصداً للوفود النيابية اللبنانية، لن تشكّل اي مبادرة افرادية، وهي تصبّ جميعها في هدف واحد ما زال يلتقي حوله اطراف «الخماسية».

وانتهى هؤلاء المراقبون الى اعتبار انّ الرهان على ما هو منتظر من القمة الفرنسية ـ الاميركية المقررة الخميس المقبل يحتاج الى نعمة الصبر لايام قليلة، لتبيان الخيط الابيض من الاسود، مع الإعتراف بأنّ القرار ليس لواشنطن وحدها، ولو انّ الريادة محسومة لها الى أجل غير مسمّى.. فلننتظر.