من حسن حظ لبنان، ان رئيس «فاغنر» قرر حقن الدماء على طريقته، وتعليق تمرده على نظام الرئيس فلاديمير بوتين، بعدما سرق المشهد الروسي الاهتمام حول العالم، خصوصا أميركيا واوروبيا، ما كاد يهدد بتجميد المسار اللبناني، فيما لو اصرت «فاغنر» في قرارها الانقلاب، والذي كان سيغير أولويات السياسة العالمية.
هذا ما شغل العالم، أما ما شغل لبنان، فالمحادثات التي اجراها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت، واختصرت ببيان مقتضب مفاده أن باريس ستعمل مع الدول الشريكة الاساسية على تسهيل حوار بين اللبنانيين ينهي الفراغ المؤسساتي ويؤمن الاصلاحات الضرورية للنهوض بالبلد.
فقبل أن تنتهي زيارة جان ايف لودريان الاولى لبيروت كموفد رئاسي فرنسي، بدأت التحليلات والقراءات تتضارب من كل حدب وصوب، فيما المطلعون الفعليون على ما دار من نقاشات مقلون في الكلام، الى حد تكرار العموميات ردا على اي سؤال.
الموفد الفرنسي الذي غادر بعد برنامج حافل لثلاثة أيام، منعه حتى من التواصل الطويل مع عائلته، وفقا لاحد مساعديه، استمع خلالها إلى آراء وتصورات مروحة واسعة من القيادات اللبنانية، التي «شطح» اغلبها عن مسار النقاش الذي حددته الأسئلة الفرنسية، وترك وراءه مجموعة من الالغاز والتساؤلات التي تحتاج إلى فكفكة، بحسب مصادر واكبته، ابرزها:
– وفقا للبيان المكتوب، والذي وصفه البعض بالوديعة، جاء ان باريس ستعمل على إيجاد حل «توافقي وفعال»، ما يستكمل ما اعلنه من بكركي عقب لقاء البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، بأنه سيضع برنامجا للإصلاح. فمن هي هذه الشخصية وهذا الاسم؟ وما هو هذا البرنامج الإصلاحية الذي سيقبله الجميع، في ظل الهوة الواسعة الفاصلة بين طرفي النزاع حول الخيارات الاقتصادية للحل؟
– تأكيده أمام احد أبرز من التقاهم، ان الاولوية اليوم هي لانتخابِ رئيس للجمهورية، وأن مسألة عقد طاولة حوار في الخارج لإنتاج صيغة سياسية جديدة، قد وضعت اليوم «عا الرف» اقله في المدى المنظور. فكيف سيكون شكل هذا الحوار؟
– كيف سيترجم كلامه المنقول عنه بأن صفحة جديدة قد فتحت وان المبادرة السابقة قد انتهت، في ظل واقع ان كلا من أطراف المعارضة الممانعة والمقاومة قد فهم الأمر «عا ذوقو»، وقد عبرت عن ذلك المواقف الاعلامية اقله للبياضة ومعراب، وبعدها عين التينة التي رد سيدها. فهل عادت باريس إلى مربع الازمة الأول؟
– «تلويح» الديبلوماسي المخضرم بأن الخروج من المأزق، بعدما أقفلت كل أبواب الحل اللبناني، لن يكون ممكنا الا بتوافق وتقاطع إقليمي – دولي، يفرض على القادة اللبنانيين، من ضمن مبادرة واحدة متكاملة، ولعل أبلغ دلالة على ما تقدم لقاده بسفراء خماسية باريس التي ستطلع عواصمها على اقتراحات النهائية القرار بنودها، قبل عودته إلى بيروت. فكيف سيسقط تحفظات الدول التي تملك مبادراتها الخاصة، كقطر مثلا؟ وماذا عن الموقف الاميركي من إيران في ظل الحديث عن «٥+١»؟
– اصرار على أن عامل الوقت بات ضاغطا جدا، وانه يلعب ضد المصلحة اللبنانية، بعدما تخطت مراحل الانهيار الخطوط الحمر على كافة المستويات، لذلك كان القرار الدولي بتسريع عودته الثانية إلى لبنان والانتقال إلى المرحلة الأخيرة من الحل. وهنا تشير الاوساط إلى أنه أبلغ المعنيين ان جلسات الانتخابات الفولكلورية لن تفيد، وستكون مضيعة للوقت وستواجه برد فعل دولي، وهو ما اربك بعضا من محاوريه الذين فوجئوا بصرامته حول هذه النقطة. فماذا ستفعل باريس في حال قرر الساسة اللبنانيون العودة إلى لعبة تضييع الوقت؟ خصوصا ان لودريان رأى ان أحدا لن يستطيع كسر الآخر.
بالتأكيد مراجعة هذه النقاط، وأن دلت على شيْ فعلى ان الحل يكاد يكون مستعصيا، فمن «جرب مجرب كان عقلو مخرب»، هكذا سيكون حال باريس مع الطبقة السياسية، التي خبرتها جيدا منذ تفجير المرفأ، وعليه تشير المصادر إلى أن العامل المطمئن هو نجاح الضغوط الفاتيكانية التي مورست تجاه واشنطن، والتي ادت إلى تدخل أميركي مباشر على الخط اللبناني، صوب الاندفاعة الفرنسية، وهنا بيت قصيد التغيير الذي يحكى عنه، لجهة الضمانات التي سبق للأم الحنون ان قدمتها للمناعة على حساب المعارضة، نتيجة تقاطع المصالح الاقتصادية بين الطرفين.
في الانتظار اسئلة كثيرة بحاجة الى ايجابات شافية حول مصير الفراغ الرئاسي وهل سيطول؟ لتبقى المحصلة ان لا شيء مؤكدا او واضحا بعد… ولن يكون كذلك قبل بلورة الصورة النهائية للطرح الفرنسي الجديد، ان وجد…