باريس : زيارة لودريان في موعدها.. وارتياح لقرار منصوري التعاون مع التحقيقات
في كل الملفات الداخلية تتبدَّى الخلافات بين المكونات السياسية، من الرئاسة إلى الاقتصاد إلى الأمن وآخرها ما يتصل بالملف النفطي الذي يفترض أن يكون محل إجماع مختلف الأطراف اللبنانية، بالنظر إلى أهميته الاستثنائية في ظل الظروف البالغة الصعوبة التي يعيشها لبنان. وبالتالي ما كان مستغرباً أن تنسحب الانقسامات على الملف النفطي، تزامناً مع بدء شركة «توتال» الفرنسية عملها في التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، بدءاً من اليوم، بعد رد الرئيس السابق ميشال عون على الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي دون تسميتهما، متحدثاً عن دور صهره النائب جبران باسيل الأساسي على هذا الصعيد، في حين عُلم أن عون وباسيل قد يزوران منصة التنقيب في وقت قريب.
وبالرغم من محاولات استغلال هذا الحدث لغايات سياسية لم تعد خافية على أحد، إلا أن هناك إجماعاً لدى جميع المكونات على استثنائية خطوة التنقيب التاريخية، باعتبار أنها فتحت الباب أمام لبنان للدخول إلى نادي الدول النفطية، وسط أجواء تفاؤلية عبر عنها مسؤولو الشركات الثلاث المنقبة، بإمكانية العثور على كميات واعدة في المياه اللبنانية بعد ما يقارب الشهرين، وتحديداً في البلوك 9. وهذا ما يعطي أملاً بأن يشكل التنقيب وما يمكن أن ينتج عنه، محطة أمل وبوادر خير على ما أكد عليه الرئيسان بري وميقاتي، لمساعدة لبنان على الخروج من مأزقه، وفتح الآفاق أمامه، بانتظار المرحلة المقبلة التي ستحمل معها الكثير من الإيجابيات على المستقبل الاقتصادي للبنان.
وإذ بدا واضحاً أن كلام النائب جبران باسيل في الموضوع النفطي، يدخل في إطار الاستياء من خطوة الرئيسين بري وميقاتي، وتجاهلهما لدور الرئيس عون و«الوطني الحر» على هذا الصعيد، فإن أوساطاً سياسية لا تعطي كلام رئيس «العوني» الكثير من الاهتمام، باعتباره محاولات لحرف الأنظار عن أهمية هذه الخطوة، لغايات ومصالح سياسية وحزبية ليس أوانها اليوم، بقدر ما أن المطلوب التكاتف بين المكونات في الموالاة والمعارضة، من أجل مواكبة عمليات التنقيب، على أمل أن تكون النتائج على قدر التوقعات في آخر تشرين الأول المقبل. وبالتالي فإن مواقف باسيل ما هي إلا استمرار لتصفية الحسابات بينه وبين الرئيسين بري وميقاتي، لأنه يريد أن ينسب الفضل في الملف النفطي له ولتياره السياسي، كما هي الحال في كل الصراعات التي اعتاد خوضها مع شركائه في الوطن.
ومع تفاعل قضية نتائج التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، أثنت أوساط سياسية ومالية على قرار حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بالتعاون الكامل مع التحقيقات القضائية المرتقبة حول ما ورد في تقرير «الفاريز اند مرسال»، حيث سيعمد المصرف الى الكشف عن السرّية بناء على طلبات الاجهزة القضائية في اطار تحقيقاتها المُنتظرة. وقد علم أن منصوري حالياً بعملية تدقيق داخلي في المصرف بشأن الكلام عن ان شركة «الفاريز اند مرسال» لم تستلم سابقاً كل المستندات، علماً ان المجلس المركزي وقتها كان أصرّ على تسليم الشركة كل متطلباتها من مستندات وبيانات ومعلومات، وهو ما تبيّنه عشرات القرارات الموجودة في هذا الاطار. في حين علم أن المجلس المركزي لمصرف لبنان، اجتمع أمس، في أول اجتماع رسمي، بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، حيث تمت مناقشة الملفات الراهنة وكيفية التعامل معها من الكهرباء إلى تمويل الدولة وأمور أخرى لها علاقة بنفقات المؤسسات.
ومع تقدم الملفات النفطية والجنائية على غيرها من الملفات، فإن الضبابية لا زالت تخيم على مهمة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، سيما ما يتصل بالحوار الذي دعا إليه الأطراف السياسية في أيلول المقبل، بعد الفتور الواضح الذي استقبلت به الكتل النيابية الأسئلة التي تقدم بها لودريان. وهذا ما أشاع أجواء سلبية دفعت بالبعض إلى توقع أن يؤجل المبعوث الفرنسي عودته إلى بيروت، وإن كان زوار العاصمة الفرنسية ينقلون عن عدد من المسؤولين المعنيين بالملف اللبناني، أن زيارة لودريان لا زالت قائمة، وهو يُجري محادثات مع المعنيين في المجموعة الخماسية، قبل عودته إلى بيروت، في ظل استمرار التواصل، من أجل تهيئة المناخات أمام إنجاز حوار، لا بد وأن يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ينقذ البلد من الأخطار التي تتهدده. لكن المطلوب في المقابل، أن تبدى القوى السياسية استعدادها لتقديم تنازلات جدية تقود إلى تحقيق هذا الهدف.