لست أدري لماذا نوكِل أمر تشكيل الحكومة إلى الخارج؟ فهل بلغ العجز فينا حدّ العقم الكامل في كلّ شيء، خصوصاً في تشكيل الحكومة؟ ألا يكفينا عجزنا عن مواجهة أبسط واجبات السلطة، مثل إيجاد الحلّ لمسألة النفايات، حتى أكثرها تعقيداً مثل وضعنا المالي والاقتصادي عموماً، إلى أن بُتنا غير قادرين على التعامل مع استحقاقٍ يُفترض أنه بدهي وطبيعي، درجنا على التعامل معه منذ ما قبل الاستقلال حتى اليوم. عنيت به تأليف الحكومة.
اليوم يتدخّل في التشكيل العالم كلّه تقريباً. فمن دولٍ تقترح قواعد أو حتى أسماء ممن تُرشّحهم لدخول التشكيلة، إلى دولٍ تكتفي بإسداء النصح، «شوشطت طبخة» التأليف، وفشل أصحاب الشأن، المؤلِفون، في التوصّل إلى خاتمة مرجوّة.
ليس جديداً علينا، في لبنان، أن تتبادل الأطراف التُهم حول من يتحمّل المسؤولية في هذه الحال. هذا شأنٌ عرفناه منذ أن انتهى دور الوصاية السورية، وبات إصدار المراسيم مُعضلةً قائمةً في ذاتها. ويبدو أن المسؤولين الذين تعاقبوا على إدارة أمور البلاد والعباد (هل هم يُديرون هذه الأمور أو تراهم يُديرون مصالحهم؟) يبدو أن هؤلاء المسؤولين يستبدّ بهم حنينٌ مُزمنٌ إلى الوصاية أياً كان نوعها. بل لعلّهم توارثوها في الجينات جيلاً بعد جيل، منذ «العثملي» إلى المُنتَدب الفرنسي، إلى عبد الحميد غالب الحاكم بأمر جمال عبد الناصر، إلى ياسر عرفات وزُمرته، إلى أبو جمال وأبو يعرب وأبو عبدو!…
اليوم يحلّ علينا ضيفاً مُقلقاً هو وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حاملاً العصى والجزرة، كما أوضحنا في عجالة أمس، واعداً بالمساعدات الأوروبية من جهة، وبالعقوبات الفرنكو-أوروبية من جهةٍ أُخرى. وقد مهّد لحضوره بسلسلة تصريحات لِحمتها وسُداها الوعيد حيناً والترهيب حيناً آخر، والتأنيب في كلّ حين.
فماذا ستُبدّل هذه الزيارة في الوضع الحكومي؟
هل ستحثّ أطراف التأليف على الزحزحة عن مواقفهم التي تجمّدوا فيها كالأصنام، ناسين أو متناسين، أن السياسة هي «فن الممكن»، وأن التصلّب لا يوصل إلى أي مكان ولا إلى أي نتيجة؟ أما في أوضاعنا السياسية والمالية والاقتصادية عموماً المُتدهورة، فلا يوصل إلا إلى مزيد من الغرق في الانهيار.
نحن من الذين لا زلنا نرى أن في مقدور الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري أن يجدا مخرجاً من هذا المأزق. فهل يفعلان؟ هل يكسران جدار الجمود القاتل من أمام التأليف الذي لا ينعكس إلا تردّياً وتراجعاً وانحداراً وانهياراً وكارثةً؟!.