IMLebanon

زيارة لودريان إلى بيروت جاءت من باب قول فرنسا لمن يتجاهلها «نحن هنا»

 

ماكرون حاول دون جدوى تلميع صورة بلاده عربياً بعد موقفه من أحداث غزة

 

لم يكن يخطر في بال أحد من المسؤولين في لبنان، أن يقرر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بإيعاز من الرئيس ايمانويل ماكرون زيارة بيروت في محاولة لنفض الغبار السميك عن ملف الاستحقاق الرئاسي الذي وضعه العدوان الإسرائيلي على غزة على رف الانتظار.

وظنّ البعض من القيادات السياسية ان لودريان ما كان ليقوم بجولته الرابعة الى لبنان لو لم يكن في قبضة يده المعطيات الإيجابية التي من الممكن أن تحدث الخرق المطلوب في جدار الأزمة الرئاسية، غير أن هؤلاء سرعان ما خاب ظنّهم بعد الدقائق الأولى من لقاء الدبلوماسي الفرنسي الذي تبيّن ان زيارته مجرد استطلاعية حول الملف الرئاسي، واستمزاج رأي حول التمديد لقائد الجيش، مع رزمة تحذيرات من مغبة استمرار الوضع في لبنان على هذا النحو في ظل التطورات في المنطقة والتي قد تحمل متغيّرات تنجم عن تسويات يفترض لن يكون لبنان قادراً على لعب الدور الذي يؤهله مواجهة أي استحقاقات قادمة لكي لا يكون «كبش محرقة».

 

وقد لاحظ البعض ان زيارة لودريان لم تأتِ من عدم ، بل هي جاءت في إطار تفتيش الاليزيه عن دور في المنطقة، بعد أن وجدت باريس نفسها مهمّشة في الحراك الدولي الجاري في المنطقة ومقاربة الملفات المفتوحة، ولا سيما أن هذه الزيارة الى بيروت سبقتها زيارة للرئيس الفرنسي الى قطر التي لعبت دوراً محورياً في الوصول الى اتفاق على هدن متتالية وتبادل أسرى بين حركة «حماس» من جهة وإسرائيل من جهة ثانية.

وقد شدّد الرئيس الفرنسي في هذه الزيارة على رغبته في تجديد اتفاق وقف إطلاق النار الذي سمح للطرفين بتبادل عدد من الرهائن، كما انه استغل زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة لحضور المؤتمر الثامن والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP-28) لتشديد لهجته ضد إسرائيل. فشدّد على أنه يحترم حق الدولة اليهودية في الدفاع عن النفس، لكن «هذا الدفاع عن النفس لا يعني الهجوم على السكان المدنيين» في إطار القانون الدولي، وهو ما يتناقض مع كلام سابق له طرح فيه علنا ​​فكرة تشكيل تحالف ضد حماس من أعضاء المجتمع الدولي، على غرار التحالف الأميركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

 

وبحسب مصادر سياسية لبنانية مطّلعة أن مفهوم التحالف المناهض لحماس أثار غضب موظفي وزارة الخارجية الفرنسية، ليس فقط بسبب ادّعاءاته المفرطة، بل ولأن المفهوم صدر عن قصر الإليزيه، دون التوافق عليه مع رئاسة الحكومة.

واعتبرت المصادر ان الحراك الفرنسي في هذه المرحلة يهدف الى أمرين: الأول محاولة التفتيش عن دور في الاتصالات الجارية في ضوء احداث غزة، والثاني محاولة تلميع صورة فرنسا التي غلّفها الغبار نتيجة مواقف الرئيس ماكرون مع بداية عملية «طوفان الأقصى» ودعوته لإنشاء تحالف دولي لمواجهة «حماس» على غرار ما حصل مع «داعش»، وقد لمس ماكرون الامتعاض العربي خلال وجوده في دبي، وكذلك خلال زيارته الدوحة والأردن.

وتؤكد المصادر على ان الفرنسيين يدركون أن ما من شيء تغيّر في لبنان يتطلب زيارة للموفد الفرنسي، لا بل ان باريس تعي تماما ان الملف الرئاسي معقّد، وانها لا تستطيع لوحدها حياكة توافق حوله، ولذلك فان الزيارة جاءت من باب القول «نحنا هنا»، أي بمعنى أن فرنسا لها حضورها في المنطقة ولا يمكن لأحد تجاوز هذا الدور، وخصوصا ان باريس تعتبر ان لبنان يشكّل بوابتها الرئيسية الى العالم العربي، وأن الملف الرئاسي كان حجة لها لكي تقوم بتثبيت قدميها في المنطقة، بعد أن شعرت بارتجاجات تحت هذه الأقدام نتيجة السلوك السياسية الذي لعبه ماكرون في الآونة الأخيرة حيث تجاوز في مواقفه من أحداث غزة الحكومة الفرنسية التي لم تكن على علم بهذه المواقف.

وفي تقدير المصادر ان نتائج زيارة لودريان أزعجت الرئيس ماكرون الذي لم يستطع إخفاء ذلك خلال لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش قمة المناخ التي انعقدت في دولة الإمارات، حيث عبّر له عن حزنه لما وصلت إليه الأمور، مبدياً خوفه من قابل الأيام في حال لم يقم لبنان بترتيب بيته الداخلي، حيث ان أي تسوية لا يكون لبنان في صلبها قد تأتي على حسابه وتجعله يدفع أثماناً لا قدرة له على تحمّلها.

وتخلص المصادر الى القول أن زيارة لودريان الى بيروت كأنها لم تحصل، لأنها كانت لزوم ما لا يلزم، وهي كانت مجرد قنبلة دخانية لحجب الرؤيا عن فشل الدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط.