IMLebanon

جنبلاط لا يخشى الانفساخ: رِجل عند حزب الله وأخرى عند النصرة!

لا يهمّ النائب وليد جنبلاط استدارة القوى الدولية للحوار مع الرئيس السوري بشّار الأسد، هو في سوريا مع «جبهة النصرة» المصنفة ارهابية «خطأ». وفي لبنان، مع حزب الله على «الحدّ الأدنى»

لم يعد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط يقصد مطعم الـBlue note في شارع المكحول الذي يبعد خمس دقائق عن منزله، بحجة زحمة السير. أما Toto، في شارع مار مخايل، فهو «بعيد جداً». يستعيض عن ذلك بأحد المطاعم القريبة من منزله بين وقت وآخر، فيما يمضي غالبية وقته بين طوابق منزله الثلاثة. له وزوجته نورا طابق يستقبل كلبه «أوسكار» الضيوف فيه عند الباب، ولتيمور طابق، ولاستقبالاته الشعبية الطابق الأرضي حيث يحافظ صالون والدته على مقتنياته كما تركتها قبل عام ونصف عام. ولا شك في أن الصور الورقية تمثل الاهتمام الثاني لجنبلاط، بعد «أوسكار»، فهو يجلس قبالة المطبعة الصغيرة يظهّر الصور التي التقطها في زيارته الأخيرة لباريس، مستمتعاً بدقة الألوان مقارنة باستديوات السوق.

تسأله عن التفاصيل الصغيرة في السويداء وإدلب وغيرهما، فيبدأ من «الحلم العربي الكبير» الذي انتهى بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر. يستذكر هذه الأيام، كثيراً، الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. يتذكر وداعه الفدائيين مع محسن إبراهيم ومروان حمادة وجورج حاوي في مار الياس. ويعرّج، أخيراً، على الرئيس السوري حافظ الأسد «الذي أدخل قواته إلى لبنان بتكليف» من وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر. انهيار الحلم الكبير يدفعه إلى التمسك بالحلم الصغير: «أحاول إنقاذ هذه المجموعة البشرية الصغيرة من المغامرات». سابقاً كان تحذيره من «انقراض الدروز» مجرد مزحة، أما اليوم فثمة خطر حقيقي. يحرص على عدم معاداة الإيرانيين أو الأتراك، ويرى، باختصار، أن الصراع العثماني ــ الفارسي لا يزال في بدايته. ثمة عقدة تركية في ما يخص الأكراد السوريين و»ربما أطماع بحلب»، مقابل هجمة فارسية على العراق واليمن وسوريا ولبنان. بين هذين الماردين، ثمة طائفة صغيرة من الدروز، يتزعمهم من دون منازعة مع أحد في لبنان. إلا أن نفوذه وسطهم في سوريا ضعيف «بسبب إقصاء النظام السوري قبل عقود للقيادات الدرزية والعلوية لتعزيز تحالفه مع البرجوازيتين الدمشقية والحلبية». و»آخر الرموز كان منصور الأطرش… توفي أيضاً». يضيف: «حاولت إشراك بعض النشطاء، يتقدمهم خلدون زين الدين، في الثورة، لكنهم قتلوا. سعيت إلى تحييد السويداء عبر تمرد محدود على الخدمة العسكرية، فحاصر بعض الضباط المهووسين كعصام زهر الدين هذه المساعي. وهناك اليوم حرس ثوري في القنيطرة، ومساع لتطويع أهالي السويداء في ما يشبه الحشد الشعبي لاستخدامهم في مهاجمة جيرانهم أهل حوران. مع ذلك، سأتمسك بموقفي، علّ صوتي يخترق الحالة الدرزية القائمة في سوريا اليوم ويترك صدى».

يقتنع من يستمع الى جنبلاط أنه يفترض أن في وسع الدروز الوقوف على الحياد بين الماردين المتصارعين. لدى سؤاله عن ذلك، يذهب أبعد في إشارته إلى قيادة الدروز سابقاً الثورة ضد تقسيم سوريا كانتونات مذهبية، قبل أن يشير إلى «عيشنا في لبنان ببلد تعددي وتنوعي، أما في سوريا فيسبح الدروز في محيط سنّي». وعليه، يحرص على علاقة وطيدة بحزب الله هنا، مشيراً إلى اجتهاده لتنظيم الخلاف سياسياً وشعبياً مع الحزب في شأن النظام السوري.

كذلك يتمسك، في الوقت نفسه، بإمكان التفاهم مع «جبهة النصرة»، ويكرر أن «النصرة غير داعش التي خرج قياديوها من سجون نوري المالكي. وهي تسمى خطأً تنظيماً إرهابياً. هي تنظيم مختلف عن داعش يتكوّن من بعض المقاتلين الأجانب وأكثرية من المواطنين السوريين». وعليه، لا تهمه التصنيفات الدولية لـ»قاعدة الجهاد في بلاد الشام» ولا الاستدارة الغربية في اتجاه التفاهم مع النظام السوري: «موقفي مبدئي ونهائي. أنا مع الشعب السوري أياً كانت التقلبات الدولية».

حتى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشار في لقائهما التعارفي إلى أهمية انتخاب اللبنانيين رئيساً للجمهورية، محمّلاً جميع الأفرقاء، وخصوصاً حزب الله، مسؤولية عدم انتخاب رئيس. ويشير إلى قول السيسي له، بصراحة، إنه ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه يخشى انهيار الجيش السوري باعتبار ذلك مسّاً بالأمن القومي العربي. ويتابع جنبلاط: «من حقه أن يخشى على الأمن القومي العربي. لكنني لا أرى أن الأسد يؤتمن على الأمن القومي العربي أو غيره». وعليه، يقف الرجل بوضوح: رِجل في «بور» النصرة ورجل في «فلاحة» حزب الله، ولا يخشى الانفساخ.

من جهة أخرى، يرفض جنبلاط وصف توريث مقعده للنائب تيمور جنبلاط بأنه توريث. «سأستقيل من المجلس النيابي وسيقرر الناخبون في الشوف إن كان تيمور مؤهلاً للفوز بمقعده النيابي أو لا. أنا لا أفرض شيئاً». وهو لا يبعد الأوزان الثقيلة من أمام تيمور: الوزير غازي العريضي «من خيرة المستشارين». النائب مروان حمادة «صديق لا علاقة له بالحزبية وسبقني في اكتشاف كمال جنبلاط». أما شريف فياض فيرأس مؤسسة الدراسات والمنح الجامعية. ويبدو واضحاً، في سياق الحديث، أن المؤسسة الأخيرة تحظى باهتمام جنبلاط في هذه المرحلة.

لاحقاً ينتقل جنبلاط إلى العناوين التقدمية التقليدية من وجوب إصلاح الخلل في مؤسسة كهرباء لبنان إلى توسعة مرفأ بيروت، مروراً دائماً بإنماء طرابلس عبر إنعاش المرفأ وسكة الحديد والمعرض وغيرها.

الختام عند محسن إبراهيم. يترقب جنبلاط تحسن صحة صديقه القديم ليزوره، علّه يقنعه بكتابة مذكراته لتأريخ نصف قرن من النضال العربي والوطني والفلسطيني من جهة، وكتابة التاريخ الجنبلاطي في الوقت نفسه. يتحدث عن إبراهيم بوصفه «أخلص الناس لعرفات»، مشيراً إلى أنه كان أبرز من ساعده في قيادة الحزب التقدمي بعد اغتيال والده.