مع بداية العام الجديد تعود الملفات الى طاولات البحث والقرار. ويبدأ تحديد الأولويّات الواجبة الإقرار والتطبيق بغضّ النظر عن عمر الحكومة وتكوينها السياسي، إذ إنّ بعض القضايا لا تتعلّق بالداخل اللبناني بل بتواصل لبنان كدولة مع العالم وبمدى التزامه المعايير المعتمدة خصوصاً على الصعد المالية والنقدية، في ما يتعلق بتجفيف منابع الإرهاب وشدّ الخناق على تبييض الأموال والالتزام بتبادل المعلومات الضريبية.
أما الملفات التي ستُرخي بظلها على العام الجديد والعهد الجديد والحكومة التي استحوذت على الثقة، فعديدة ومنوّعة يمكن اختصارها وفق الآتي:
1 – قانون الانتخاب الموعود
عنوان عريض توقّف عنده البيان الوزاري وأكد عليه رئيس الحكومة في ردّه على النواب ممّا يجعل الحكومة ملتزمة أدبياً وملزمة قانونياً بإقرار مشروع قانون يُعدّل جزئياً أو كلياً القانون الرقم 25 الصادر في العام 2008، ومشروع الحكومة حول قانون الانتخاب سيسلك طريقه الى الإقرار من قبل السلطة التشريعية بحكم أنّ الحكومة مؤلفة من وزراء يمثّلون العدد الاكبر من الكتل النيابية الموجودة في البرلمان اللبناني.
وهذا المشروع يمكن أن يحمل في بعض طيّاته معايير جديدة ربما لم يعرفها النظام القانوني اللبناني سابقاً كالنسبية، ولو الجزئية، أو تقسيمات للدوائر الانتخابية وفق أسس لم تكن معتمدة في القوانين التي عرفها لبنان. وهذا القانون الجديد سيشكل باباً رحباً لإعادة تقويم الحياة السياسية اللبنانية على أسُس أكثر عدالة وتمثيلية، ممّا يعتبر امتحاناً كبيراً ودقيقاً للحكومة ولمكوّناتها عموماً.
2 – متابعة القوانين المالية وتطبيقها
بعدما صادق مجلس النواب على رزمة من القوانين المالية التي أشارت إليها او فرضتها المجموعة الدولية، أصبح لزاماً على السلطة الاجرائية أن تُتابع حسن تطبيق هذه القوانين عبر إصدار ما يلزم من مراسيم تطبيقية أو مكمّلة، كما عبر ملاحقة التطورات التي تسير عليها الأمم المتحدة والمجموعة الأمميّة في هذا السياق لكي تكون السلطة الدستورية اللبنانية على بيّنة من الاحتمالات والتوجهات، لكي يبقى نظامنا المصرفي المربح قادراً على الازدهار، وبالتالي المشاركة في تمويل المشاريع لا سيما الصغيرة والمتوسطة، من دون أن يكون عرضة لاهتزاز الثقة والمصداقية ممّا يجعلنا مضطرّين لتحمّل ما لا طائل لاقتصادنا او لسياستنا على تحمله.
3 – متابعة الاتفاقات الدولية
إنّ غياب المؤسسات الدستورية عن الملفات القانونية الدولية، ولا سيما تعَطّل عمل مجلس النواب وهو السلطة الصالحة حسب الدستور لإقرار القوانين والاتفاقات الثنائية والدولية، أدّى الى خسارة لبنان، ولَو مرحلياً، لرزم من القروض الميسرة أو الهبات المنوعة بسبب تلكؤ دولة لبنان عن القيام بموجباتها لجهة إقرار اتفاقات، كبروتوكول اليونسكو الثاني وسواه، ممّا يستوجب متابعة دقيقة وحثيثة بغية اللحاق بركب الشرعية القانونية الدولية إقراراً ومتابعة ومشاركة.
4 – الموازنة
إنّ إقرار قانون الموازنة كمشروع أولاً ومن ثم كقانون يعتبر أولوية أساسية بعدما غابت الموازنات طوال اكثر من عقد من الزمن من دون مسوّغ مقنع او منطقي، ممّا عرَّض سمعة لبنان وخفَّض بشكل كبير إمكانية تلقّيه مساعدات عينية ونقدية من الجهات الدولية وحتى العربية المانحة.
والموازنة تعتبر قانوناً سنوياً أساسياً واجب البحث والتمحيص والمناقشة والاقرار لأنّه بذاته يرسم مالية الدولة وخططها ومشاريعها ورؤيتها العامة.
وهذا القانون واجب الإقرار بشكل سريع متزامناً مع إقرار قانون الانتخاب الجديد. وإذا كان الاخير يقوّم الاعوجاج على المستوى السياسي والميثاقي بعد عقود من الانحراف والاعوجاج، فإنّ قانون الموازنة يجعل للأداء المالي والخدماتي والانمائي للحكومة إطاراً تنظيمياً محدّداً وفق القوانين المرعيّة الاجراء.
كل هذه الأفكار والطروحات تبقى رهناً بالتبنّي والتطبيق والممارسة الآيلة الى شفافية موعودة وشراكة متوازنة.