Site icon IMLebanon

التشريع بالمقايضة

 

 

في الشكل، يبدو أن اعتماد مسرح الأونيسكو لعقد جلسات للهيئة العامة للمجلس النيابي مقصود في هذا التوقيت السياسي، فتمرير قوانين حولها الكثير من الشبهات والتساؤلات لدى بعض الكتل النيابية أو الأعضاء المستقلين يصبح أكثر سهولة في قاعة يضيع فيها تعداد التصويت. وما حصل في جلسة «الأونيسكو» الأولى خير دليل. وهو أمرٌ كان أصلاً مدار تندر أثناء انعقاد جلسات مشابهة تحت قبة البرلمان الأصلي، خصوصاً بعد رفض رئيس المجلس نبيه بري وأعضاء هيئة مكتبه القبول بالإنتقال الى آلية التصويت الإلكتروني بحجة تعارض ذلك مع النظام الداخلي الذي لا يجوز مخالفته، فيما يُخالَف الدستور والقوانين والأنظمة عشرات المرات تحت القبة ذاتها.

 

أما في المضمون، فإن الوقائع تشير الى أن الكباش الذي شهدته جلسة «الأونيسكو» التشريعية الأولى إنما كان يهدف الى توجيه رسائل وجاهية تنبيهية للحكومة، ولرئيسها حسان دياب تحديداً، تتعلق بعدم إمكان تجاوز الآليات التي كانت وستبقى معتمدة لتسهيل إقرار القوانين. هذه الآليات قائمة على معادلة المقايضة بين هذا التسهيل وبين الإعتراف بالحصة المفترضة لرئيس المجلس دائماً، ولبعض رؤساء الكتل أحياناً، في التعيينات والتلزيمات وتقاسم المشاريع خصوصاً تلك المضمونة التمويل.

وكما يبدو، فإن رئيس الحكومة أخذ يقارب هذه المعادلة بمرونة أفضت الى تكرار زياراته الى عين التينة للتباحث في نوعية الأسماء المُقترحة لبعض المواقع الشيعية في الإدارة والمؤسسات المختلفة. يمكن اعتبار المشهد عادياً في ظل اعتياد كل من أركان سلطة ما بعد الطائف على عدم قبول منازعته حق اختياره الحصري لأي مرشح ينتمي الى طائفته أو مذهبه. لكن من المؤكد أنه لا يمكن اعتباره عادياً مع حكومة قدمت نفسها مشروعاً تأسيسياً للعودة الى اعتماد الكفاءة وتكافؤ الفرص في اختيار المرشحين لشغل مواقع وظيفية في الدولة، طبعاً مع الحفاظ على التوزيع المتفق عليه لتمثيل المكونات الطائفية والمذهبية. كذلك لا يمكن القبول به انطلاقاً من أن المفترض أن تؤدي التعيينات الموعودة في إدارات الدولة ومؤسساتها الى التخلص من آلية الزبائنية السياسية التي أسست للإفساد والإستزلام للمرجعية الطائفية السياسية، والتي أنتجت هذا الخواء المخيف في نوعية الموظفين «المُختارين» من قبل تلك المرجعيات، والذي انعكس هُزالاً وفشلاً على مستوى الخدمات الأساسية المتوجبة للمواطنين اللبنانيين.

قد تجد الحكومة من يبرر لها قبولها بالعودة الى تلك العادة القديمة – المتجددة القبيحة تحت ذريعتين: الأولى، أن هذه الحكومة مضطرة أن تساير بعض قوى الأكثرية التي شكلت رافعة نيابية لها، خصوصاً أنها تجاوزت فرصة المئة يوم من دون تحقيق الإصلاحات الجذرية التي وعدت بها بسبب الإبطاء المقصود في تفعيل ورش اللجان النيابية بما يتناسب مع إيقاع التفاهم مع رئيس الحكومة حول تلك التعيينات، ولأنه لم يعد بإمكانها الإنتظار أكثر، فإنها مضطرة للبحث في تسويات تُمَكِنُها من تجاوز المطبات الكثيرة في طريقها لإبتداع حلول معقولة وإن لم تكن مقبولة من اللبنانيين. والثانية، أن الحكومة وتحديداً رئيسها يحتفظ لنفسه برفض أي إسم مطروح لا يتطابق مع المعايير الإفتراضية التي وضعها بعدما أسقط رئيس الجمهورية ميشال عون آلية التعيينات المُقرة سابقاً، وهو – أي الرئيس دياب – كان صريحاً أثناء لقاءاته مع الرئيس نبيه بري في عدم القبول ببعض الأسماء الشيعية المقترحة، إنطلاقاً من اللغط الذي أثير سابقاً حول سلوكياتها في مواقع أخرى سابقة أو بالنسبة لخبرتها الضعيفة أو المعدومة في بعض الحالات، في وقت تحتاج فيه الإدارة والمؤسسات الى نوعية قادرة على إستنهاضها وتنظيفها، وهو أمر مستحيل في حال التبعية والإستزلام. طبعاً لا يقتصر الأمر على النوعيات التي يمكن إختيارها من الشيعة بل ينسحب على الطوائف الأخرى التي تتشاطر بالإختباء خلف رئيس الجمهورية!

التعيينات المنتظرة اليوم تعتبر أول اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على تقديم نموذج مغاير لما اعتاد عليه اللبنانيون سنوات طويلة، والذي يعتبرونه السبب الأساسي لأزمتهم الإقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية التي يواجهونها. كما أنها ستشكل منعطفاً مفصلياً في مسارها قد تخسر بسببها ما تبقى من مؤيدين خجولين وحذرين لنوايا رئيسها التي عبر عنها في خطاباته المتعددة.

 

* قيادي سابق في حركة أمل