IMLebanon

تشريع نحو الرئاسة

د.أنطوان ز.صفير

يبدو أنّ سهولة انعقاد مجلس النواب لإقرار جملة قوانين كانت تنتظر إقراراً ولاسيما تلك ذات المنحى المالي، تُنبئ بحلحلة ما على صعيد التسوية الرئاسية ومن ثمّ الحكومية.

إذ إنّ المجلس سيّد نفسه بالتأكيد ولكنّه أيضاً أبو المؤسسات ويوم تتحرّك عجلته، يتكوّن أملٌ متجدّد من خلال تطورات إيجابية يستعيد معها الوطن رئاسته الضائعة في غياهب الفشل الداخلي والإطباق الخارجي، وليسترجع فيها المواطن بعضاً من ومضات أملٍ متجدّدٍ بإعادة تنشيط الاقتصاد والاستثمار وقطاعات الإنتاج المترنّحة على أبواب إنتظار الحلول التي نضجت في بعض نواحيها من دون أن تصبح كاملة المواصفات والصفات.

إنّ التشريع الذي قام بالأمس هو ضرورة ملحّة لحفظ مصداقية لبنان في العالم ولتأكيد التزامه بقرارات «الشرعية المالية الدولية» التي وإن نصّت على بعض بنود غير مبلورة أو مفهومة أو «مستحَبّة» بالنسبة إلينا، فإنها تعني أنّ لبنان «كدولة غير فاشلة» لم تزل تحت طائلة القوانين الدولية والتوجّهات الأوروبية المالية، ممّا يفتح مجالات ويُسهِّل استحصال لبنان على دعم عبر هبات وقروض مشروطة أو مفتوحة، خصوصاً من قطاعات التنمية المستدامة والقطاعات الحيوية المنوّعة.

والتشريع ليس إمتيازاً بل هو من مقتضيات دينامية مؤسسات الدولة وأطرها الفاعلة، إذ إنه محرّك القوانين وما يستتبعها من مراسيم عادية أو تطبيقية، والتي ترتدي أهمية بالغة في نظام شبه برلماني كالذي نعيش في ظلّه رغم المطبّات والعوائق والنزوات، والتسويات التي لا تحاكي طموح الأجيال الآتية.

وبلا تشريع تصبح الدولة خارج الزمن إذا جاز التعبير، إذ إنّ القوانين تُقَرُّ بغية تلبية مقتضيات ولسدّ ثغرات أو لتغطية مكوّنات جديدة طرأت على حياة المواطنين. ومجلس من دون تشريع يعني مجلساً أشبه بأيِّ نادٍ مقفل أو تجمّع لا إنتاجية له إلّا الكلام الذي لا طائل منه، بينما الضرورات تكبر والتشريعات تتطلب دراسة مُعمقة وتحديداً للجدوى، وهذا ما تستلزمه جلسات لجان وهيئات ولا يمكن أن يبقى معلقاً الى ما شاء الله.

ولكن هل يشرّع في غياب الرئيس؟

طبعاً لا… والأسباب مُفَنَّدة في الدستور والمنطق والميثاق. إذ لا يمكن أن يُستَغيب رأس الدولة ورئيس كلّ المؤسسات عن التشريع وهو أكثر عمل حيوي للمجلس النيابي وأبرز أدواره مع الانتخابات الرئاسية وسواها. كما أنَّه لا يجوز ميثاقياً أن لا يكون الشريك المسيحي الأساسي حاضراً.

أما في المنطق القانوني، فيُعتبر التشريع ناشئاً عن صلاحيات البرلمان ولكن أيضاً عن مشاركة وازنة من السلطة الإجرائية في حال قدّم كمشروع من الحكومة أو في حال أبدت الحكومة رأيها في اقتراحات القوانين المقدّمة من النواب.

اذاً، المسألة لا تحتاج جدلاً أو نقاشاً مستفيضاً، فالتشريع ضرورة كلّ يوم خصوصاً في دولة تعاني من كلّ المعضلات. أما الأكثر ضرورة فهو انعقاد المجلس كهيئة ناخبة وانتخاب الرئيس وإعادة عجلة المؤسسات الدستورية الى طبيعتها، بعدما أوهنتها المشادات السياسية وتأجيل الاستحقاقات وتمديد الأزمات وتسخيف حاجات الناس وأحلامهم.

وجلسة التشريع المنعقدة في هذه الفترة الدقيقة والمثقلة بالانتظار ليست عملاً منعزلاً عمّا يصول ويجول في الأروقة في الداخل كما في الخارج.

إذ إنّ هذا التشريع «السهل» انعقاداً وإقراراً هو من دون شك آتٍ في سياق الأجواء التي وإن لم تنفرج كلياً فهي في وضعية الانفتاح والتلاقي الوطني حتى ولو لم يحصل شبه إجماع على الرئيس الآتي.

وليس المطلوب إجماعاً بل تواصلاً وإدارة للخلاف المبني على أسس العلم والمنطق وليس وفق حسابات المصالح المالية والانتخابية الشخصية خارج أيّ اعتبار أو معيار.

إنها فعلاً أزمنة انتظار ثقيل، إذ يتطلّع بعض الحكام وأكثرية اللبنانيين الى دولة رائدة في رسم السياسات المنتجة ولو بالحدّ الأدنى وساعية الى حلّ أزمات مستعصية كالسير والبيئة وسواها، وكلها قطاعات حيوية تشكل عصباً أكيداً للاقتصاد والاستثمار، ومن دونها تصبح السياسة بلا طائل أو بالأحرى مجالاً للكلام الفارغ والإفساد المنهجي المتمادي.

وهذا الوضع المقزّز لا يجد حلولاً ولو بسيطة إلّا من خلال عودة دينامية المؤسسات الدستورية والإدارية والقضائية للقيام بمهامها حسب القوانين المرعيّة.