IMLebanon

“تشريع الضرورة” وحكومة الأضداد والتناقضات سببان موجبان للإسراع في انتخاب رئيس

ما إن دعا الرئيس تمام سلام إلى تفعيل عمل الحكومة حتى فعّل بعض الوزراء خلافاتهم بحيث كاد يخشى ان تتحول الحكومة من حكومة “المصلحة الوطنية” الى حكومة “المصالح الذاتية”، ومن حكومة تسوية الخلافات الى حكومة تصفية حسابات… فهل يمكن الاعتماد على حكومة كهذه وإبقاء البلاد بلا رئيس؟

لقد اتفق الوزراء تجنباً لاستقالة أي منهم على أن تقر المواضيع التي يتفقون عليها، حتى وإن كانت ضرورية وملحة بحيث تتحول بهذه الطريقة حكومة تصريف أعمال. واتفق النواب على ما سمي “تشريع الضرورة” لئلا يقال إن الامور في البلاد تسير سيراً طبيعياً في ظل الشغور الرئاسي مهما طال هذا الشغور. لكن تبين أن ثمة مشاريع ملحة يتوجب على الحكومة بتها إن لم يكن بالتوافق فبالتصويت تطبيقا للمادة 65 من الدستور. ومن هذه المشاريع الملحة: تلزيم شبكة الاتصالات، تلزيم التنقيب عن النفط والغاز، تلزيم النفايات، مشروع قانون للانتخابات النيابية، إذ من دون إقراره قد يتعذر إجراء انتخابات نيابية إلا على أساس قانون الستين “الطيب الذكر” والمعمول به حالياً، أو استمرار التمديد لمجلس النواب، وتوحيد الموقف من قضية العسكريين المخطوفين، ومتابعة عملية تنظيم دخول السوريين إلى لبنان لمعرفة مَن منهم تنطبق عليه صفة اللاجئ ومَن لا تنطبق عليه هذه الصفة من دون أن تواجه عراقيل واشكالات. ولا يستطيع مجلس النواب، من جهة اخرى، ان يظل يشرّع للضرورة فقط لأن ثمة مشاريع تحال عليه وقد تثير خلافاً بين النواب حول اعتبار الضروري منها وما هو غير ضروري.

هذا الوضع الشاذ يتطلب الخروج منه انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، لأن استمرار الشغور الرئاسي من شأنه أن يعطل سير عجلة الدولة التي لا تسير سيراً طبيعياً إلا على ثلاثة دواليب وليس على دولابين أو على دولاب واحد… فعندما يكون للدولة رأس فإن هذا الرأس يستطيع بصلاحياته أن يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة عند استقالة الحكومة، وأن يدعو إلى انتخابات نيابية عندما يتلكأ مجلس النواب عن القيام بواجباته، ولا سيما عندما لا يقرّ الموازنات العامة ضمن المهل الدستورية وهو الحاصل في ظل الوضع الشاذ الذي اذا ما استمر فإن البلاد تبقى مهددة باستقالة حكومة الاضداد والتناقضات في أي لحظة، وهو ما تظهر بوادره من حين إلى آخر كلما انفجرت خلافات تكفي لتفجير الحكومة لو أن الظروف كانت عادية، ولو لم تكن القوى السياسية الاساسية في البلاد مقتنعة ومتفقة على بقائها رغم كل تناقضاتها مخافة أن تدخل البلاد الفراغ الشامل والقاتل، عدا أنها حكومة تستطيع أن تفعل ما تشاء ولا تحاسَب لئلا تؤدي محاسبتها الى الاستقالة، والاستقالة ممنوعة في الظرف الدقيق الراهن.

لذلك مطلوب من المتحاورين ثنائياً أو جماعيّاً، أن يكون اتفاقهم على انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي شيء آخر لأن الجسم بلا رأس هو جسم ميت، لا بل هو جسم بلا عقل، وان كل موضوع آخر يصير الاتفاق عليه ليس له أهمية الاتفاق على رئيس. واذا كان “حزب الله” رمى كرة الرئاسة الاولى في ملعب العماد ميشال عون وراح يتفرج، فإن العماد عون لا يستطيع ان يظل محتفظا بها ليعطل اللعبة الدستورية والديموقراطية، ولا بد له من أن يرميها في ملعب اللاعبين قبل خراب لبنان لمعرفة الرابح والخاسر أو يكون تعادل.

ثمة من يقول إن الأمن والاستقرار هو المهم في لبنان، واذا كانت الانتخابات الرئاسية أو اي انتخابات تعكر هذا الامن، فمن الافضل تجنبها، لذلك بدأ البحث بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” في كيفية تخفيف الاحتقان والتوتر السياسي والمذهبي ليدوم الامن والاستقرار وليكون الجميع يدا واحدة في مواجهة الارهاب عدو الجميع، والذي اذا ما انتصر فلا يبقى جمهورية ولا دولة ولا مؤسسات ولا سلطات. من هنا ينبغي ان تكون الاولوية لانتخاب رئيس يجمع ولا يفرق لأن العدو يجد في مجتمع منقسم بيئة تحتضنه. وانتخاب رئيس هو الذي يحقق الوحدة الداخلية الثابتة والدائمة، وهو الذي يستطيع مع حكومة تمثل كل القوى السياسية الاساسية في البلاد ضرب الارهاب والتخلص منه بسرعة. ومن دون وجود رئيس تبقى البلاد تعيش فوضى حكم الرؤوس، ووضعاً شاذاً لا تستقيم معه الأمور.