لا يكفي أن يكون الرئيس نبيه بري مصمّماً على الدعوة الى جلسة تشريعية تحرر البرلمان من بلادة العاطلين عن العمل، الذين اكتفوا بحقن ولايتهم ببنج التمديد لولاية ثانية كي يجلسوا ويضعوا رجلاً فوق رجل. لا بل يحتاج الرجل الى نصاب قانوني ومشاركة ميثاقية تعيد «الأبناء الضالين» الى بيت الطاعة التشريعية كي تكون الدورة العادية الثانية، منتجة. ومن دون رضى هؤلاء، لا حول ولا قوة لرئيس المجلس.
يتعاطى أهل السياسة مع الوضع اللبناني على أنه متروك على رصيف الانتظار. ثمّة استسلام كليّ لهذا الواقع، بحيث يسلّم كل فريق، قدره لما ستؤول اليه التطورات الاقليمية، خصوصاً بعدما استعادت الساحة السورية حيويتها العسكرية بفعل التدخل الروسي.
هكذا، يتفرّجون على الحكومة تدخل غرفة العناية الفائقة، تنفيذاً لتهديدات الجنرال ميشال عون الذي ربط سيناريو إعادة إنعاش السلطة التنفيذية بالتعيينات العسكرية، وهو يدرك، كما الباقين، أن هذه المقايضة ذهبت أدراج الريح، ولا امكانية أبداً لطرحها من جديد.
إذاً، ستدخل الحكومة في «كوما» لا يعرف أحد كيف ومتى يمكن لها أن تخرج منها، طالما أنّ «حزب الله» وكل مكوّنات «تكتل التغيير والإصلاح» صامدة في تفاهمها مع ميشال عون حول هذه المسألة ومستعدّة لتأييده في «اعتكافه».. إلى أن يخلق الله أمراً كان مفعولاً.
وطالما أن سيناريو تسيير الحكومة بنصاب الثلثين الذي ينصّ عليه الدستور في المادة 65، البند الخامس، لانعقاد مجلس الوزراء، لا يزال غير مقبول في حالة الشغور الرئاسي، ويرفض «حزب الله» بالتفاهم مع «تكتل التغيير والإصلاح» اعتماده خشية من تفرّد الفريق الآخر بقبضة السلطة التشريعية، فإنّ الشلل ينتظر الحكومة، عاجلاً أم آجلاً. أما استقالتها، فتلك مسألة أخرى لم تحِن ظروفها ولا زمانها ولا متطلباتها.
وقد يكون هذا الحائط المسدود الذي بلغه الوضع السياسي هو الذي سيساعد رئيس المجلس على فتح أبواب البرلمان المقفل مذ صوّت النواب على قانون التمديد لهم.. إذ لا بدّ من ثغرة تبقي حبل المؤسسات الدستورية قائماً، مهما كان رفيعاً، ولا بدّ بالنتيجة من البحث عن تخريجة تعيد الجميع الى تحت قبة البرلمان.
حتى اللحظة، لا يبدي «التيار الوطني الحر» أي تساهل في مطلبه «تشريع الضرورة» بالتنسيق والتفاهم مع «القوات اللبنانية»، وذلك يعني بنظرهما إدراج مشروعَي قانون استعادة الجنسية والانتخابات ضمن جدول أعمال تشريع الضرورة. ولا إمكانية بنظرهما للتخلّي عن هذا المطلب للمشاركة في جلسة تعيد إحياء السلطة التشريعية، حتى لو لوّح الرئيس بري بالبند المالي الملحّ الذي يستدعي تخطي عقبات الخلاف السياسي، وحوّله الى جرس إنذار.
ولكن هذا لا يمنع اعادة وصل ما انقطع بين عين التينة والرابية بغية تفعيل شبكة الاتصالات بينهما، علّهما يتمكنان من التفاهم حول مفهوم موحّد لـ «تشريع الضرورة»، فيستيقظ البرلمان من سباته وينقذ العجلة الدستورية من الشلل التام.
ويبدو، وفق المعنيين، أنّ محرك الاتصالات الثنائية عاد لينشط من جديد في مسعى للتوافق بين بري وعون على صيغة مشتركة تساهم في وضع الاقتراحين على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي سيدعو اليها رئيس المجلس قريباً، وتحديداً بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس التي ستلتئم يوم الثلثاء المقبل لتحديد جدول الأعمال، حيث يفترض أن تسبق هذه الجلسة لقاءات تمهيدية بين الفريقين للبحث في الصيغة التفاهمية.
ويُفهم من هذه الاتصالات أنّ «تكتل التغيير والإصلاح» يميل الى تليين موقفه من الجلسة التشريعية، وبمقدوره التفاهم مع الرئيس بري حول المسألتين. إذ إنّ إدراج مشروع استعادة الجنسية ليس بالمسألة المستعصية ويمكن تسويتها، فيما الصعوبة تكمن في قانون الانتخابات: أي صيغة تمثّل الفريق المعترض على التشريع؟ وهل هناك من صيغة موحّدة؟
ومع ذلك، يقول المطلعون على المسألة إنّه في حال كانت النيات سليمة وجادّة في مسعاها لإعادة إحياء مجلس النواب، وهو المرجح، فإنّ الاتفاق على صيغة لا يعود مستحيلاً.
فهل «ستنقش» مع الرئيس بري فيستعيد «مطرقته»؟