في مؤتمره الصحافي الذي عقده منذ ايام قليلة، كشف رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني عن عدد من التفسيرات لبعض بنود اتفاق الطائف الذي اصبح دستوراً، كما طرح بعض الحلول التي يراها مناسبة لاخراج لبنان من ازمته في تعطيل استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، لمدة تكاد ان تقرب من السنتين، ومن المؤسف بل من المستهجن، ان يتم تجاهل ما طرحه الحسيني، خصوصا من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام، اللذين يتصرفان، حسب الحسيني خارج منطوق الدستور، في كثير من الحالات، وهذا الموقف منهما ان دل على شيء فعلى رغبة وتصميم على تأبيد الفراغ لتبقى المؤسسات مشلولة، وتبقى مسؤولية الحكم تطبق وفق رغبتهما ووجهة نظرهما.
ما يهمنا في هذا المقال، الاضاءة على موضوعين اثنين، اعطى الرئيس الحسيني حيالهما وجهة نظره الدستورية، فأكد ان اعتبار كل وزير نفسه ممثلا لرئيس الجمهورية في مجلس النواب، هو هرطقة دستورية من شأنه شل مجلس الوزراء تماماً، والدستور لا يعرقل عمل الدولة – بل يساعد المسؤول على الحكم الصحيح، كما انه جزم بان اجتماع مجلس النواب لغير انتخاب رئيس للجمهورية يخالف الدستور مخالفة ساخرة واضحة لا لبس فيها ولا غموض. وبما ان رئيس مجلس النواب نبيه بري، يصر على عقد جلسة اسماها جلسة تشريع الضرورة، يغامر بخلق وضع بالغ السوء، لانه اولاً، يدعو الى جلسة غير دستورية اساساً، واذا سلمنا جدلاً، ان نية الرئيس بري تندرج في خانة حسن النية، ورغبته صادقة في تشريع القضايا التي تهم الدولة والمواطنين، بمعزل عن الدستور، فلماذا اذن يرفض التجاوب مع مطالب ثلاثة احزاب يغلب عليها الطابع المسيحي، وتمثل رأي وموقف حوالى 90 بالمائة من المسيحيين، هي التيار الوطني الحر، الكتائب اللبنانية، والقوات اللبنانية، تطالب بتقديم الموازنة العامة، ومشاريع القوانين للانتخابات النيابية في جدول اعمال جلسة تشريع الضرورة، لانهما الاكثر ضرورة والحاحاً من اي شيء آخر، واذا لم يتم ادراجهما على جدول الاعمال، فان نواب هذه الاحزاب وحلفاءهم من نواب مستقلين واحزاب اخرى سوف يقاطعون جلسات مجلس النواب، ومن المتوقع ان يتضامن معهم نواب تيار المستقبل ايضاً، وقد لا تكتفي هذه الاحزاب بالمقاطعة فحسب، ما يؤشر الى ان عناد الرئيس بري، قد يجر البلد الى ازمة كبيرة لا يمكن تقدير عواقبها، خصوصاً انه كشف عن تمسكه بعقد الجلسة «مهما كلف الامر» ولا تحرجوني حتى لا تخرجوني» واردف مواجهاً، «لن اقبل ابداً ان يبقى البرلمان مقفلاً»، وهو الذي اقفل مجلس النواب لمدة سنة وسبعة اشهر.
* * *
سياسة توزيع الادوار بين مكونات 8 آذار، عطّلت انتخاب رئيس للجمهورية، وشلّت مجلسي الوزراء والنواب، وكان يُتهم الدكتور سمير جعجع من قبلها، بان ترشحه ضد العماد ميشال عون، هو الذي يعطل استحقاق انتخاب الرئيس وقد ثبت «بالجرم المشهود» وبانسحاب جعجع لمصلحة عون، عدم صحة هذا الاتهام، لان النية المضمرة، كانت وما زالت رفض وصول عون الى رئاسة الجمهورية، وكل مكون من مكونات 8 آذار له اسبابه ودوافعه ومخاوفه الخاصة من انتخاب عون، واذا كانت الغاية من فتح باب خلافي جديد حول جلسة تشريع الضرورة الضغط لترتيب مساومات ما، او صفقات ما، بين عمل مجلس النواب والانتخابات الرئاسية، فمن الافضل نسيان الامر، خصوصا بعدما كشف «الحليف الروسي» لرئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري ان نضوج اللحظة الرئاسية مرتبط بالحل السياسي في سوريا والمنطقة، والذهاب الى ترتيب البيت الداخلي الى حسن ساعة النضوج، وذلك يكون بداية باقرار قانون جديد للانتخابات وعدم الاعتماد على قانون الستين، والتصويت عليه في مجلس النواب، والانصراف الى ترتيب الوضع المالي والاقتصادي بوضع الموازنة ومناقشتها في مجلس الوزراء واحالتها الى مجلس النواب، وعندها يصبح السبت حقيقة في خدمة الانسان، بدلاً من ان يكون الانسان في خدمة السبت.