في النظام السياسي البرلماني مثل لبنان، يتولى مجلس النواب وحده وظيفة التشريع وفق آلية متعددة المراحل وطويلة احيانا.
تبدأ المرحلة الأولى بمشروع ترسله الحكومة الى مجلس النواب يتضمن النص القانوني الذي تقترح الحكومة ان يصبح قانونا. يسلك هذا الإقتراح اولا باتجاه هيئة خاصة تعمل في كنف مجلس النواب مؤلفة من نواب وخبراء هي «لجنة تحديث القوانين» تتولى هذه اللجنة مناقشة المشروع ودراسته وتعد اقتراحا لمشروع صيغة تحيله الى لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب لإعداد صيغة نهائية.
ليس ما يمنع ان تتشارك لجنة الإدارة والعدل مع لجان نيابية اخرى لإعداد صيغة المشروع اذا كانت المواضيع المطلوب العمل عليها تستدعي مثل هذه المشاركة بحيث نقول ان مشروع القانون تجري دراسته في اللجان النيابية المشتركة.
عندما يصبح مشروع القانون منجزا في صيغته النهائية يجري التصويت عليه من قبل اللجنة النيابية او من قبل اللجان المشتركة فإذا نال ما يحتاجه من اصوات يتم اقراره ورفعه الى الهيئة العامة في مجلس النواب حيث يخضع مجددا من قبل هذه الهيئة للمناقشة والدرس والغاء ما يجب الغاءه واضافة وتعديل ما يجب اضافته او تعديله. وعند الإنتهاء من هذه العملية يخضع مشروع القانون الى قراءة اخيرة ثم يخضع للتصويت عليه من قبل مجلس النواب ومن ثم يحال مع اسبابه الموجبة الى الحكومة لكي يتولى رئيس الجمهورية نشر هذا القانون ووضعه قيد التنفيذ.
هذه الآلية التشريعية هي الآلية التقليدية والأساسية في عملية التشريع. لكن هذه الآلية قد تستغرق وقتا طويلا وتكون الحكومة مضطرة لإصدار تشريع مستعجل لتغطية مشكلة معينة يكون التأخير في المعالجة قد يلحق الضرر بالمصلحة العامة.
لهذا السبب ابتكر العرف في الأنظمة الديمقراطية وسيلة للتشريع عن طريق الحكومة. هذه الوسيلة هي «المراسيم الإشتراعية».
بالنظر للضرورات التشريعية اعتمدت الدول حتى تلك التي تدين بنظام رئاسي وبمبدأ الفصل الجامد بين السلطات مثل الولايات المتحدة الأميركية التي وان منعت المراسيم الإشتراعية الا انها سمحت بها في ظروف ضيقة جدا وكذا الأمر في الأنظمة البرلمانية مثل فرنسا خاصة تحت ظل الجمهورية الثالثة والخامسة.
عندما ترغب الحكومة التشريع بموجب مراسيم اشتراعية تتقدم من مجلس النواب تطلب منه الترخيص لها بالتشريع في مواضيع محددة سلفا وضمن مهلة زمنية محددة ايضا غالبا ما تكون ستة اشهر على ابعد حد.
فإذا ما وافق مجلس النواب على هذا الطلب يصدر قانونا يسمى «قانون التفويض» يجيز فيه للحكومة التشريع في الأمور التي طلبتها ووافق عليها وضمن الفترة الزمنية التي حددها مشترطا ان لا يصبح المرسوم نافذا الا بعد عرضه على مجلس النواب. ينشر رئيس الجمهورية قانون التفويض على الصورة التي صدر فيها اسوة بسائر القوانين.
بدأت الحكومات في لبنان تلجأ الى التشريع بواسطة المراسيم الإشتراعية منذ العام 1930. ويمكن القول ان اهم التشريعات التي صدرت في لبنان هي تلك الصادرة من خلال المراسيم الإشتراعية.
يتم اللجوء الى المراسيم الإشتراعية لأنها تعتبر الطريقة الأسرع والأقل تعقيدا لإنجاز القوانين اللازمة نظرا لمحدودية المواضيع التي تتألف منها المراسيم وبنفس الوقت للسرعة القياسية في صدور القوانين سيما وان لا هذا السبب ولا ذاك يؤدي الى احباط رقابة مجلس النواب على عملية التشريع لأن المرسوم الإشتراعي لا يصبح نافذا ومعمولا به كقانون الا بعد عرضه على مجلس النواب واخذ موافقته عليه.
عندما تطلب الحكومة صلاحيات تشريع استثنائية فهذا مؤشر على نيتها الإصلاحية وعلى جديتها في العملية الإصلاحية وبنفس الوقت ومن خلال المواضيع الذي تعرضها الحكومة نستطيع ان نستشف حجم الرؤية لدى الحكومة وبعد نظرها حيال العملية الإصلاحية برمتها.
* مدعي عام التمييز سابقاً