Site icon IMLebanon

حتى الإثنين: من أين يفتح برّي الكوّة؟

ليس خيار الرئيس نبيه برّي منح فرصة اضافية للتوافق على انعقاد مجلس النواب سوى تأكيده مجدداً – وإن هو طرفٌ في الاشتباك – انه المحتكم اليه لايجاد المخارج المستعصية. في الايام الاخيرة دفع الافرقاء جميعاً الى حافة الهاوية فيما هو على الشرفة يتفرج عليهم

الى ان تعود هيئة مكتب مجلس النواب الى الاجتماع الاثنين المقبل، بضعة ايام يفترض ان تكون كافية للحؤول دون انقسامه على نفسه. فسحة اضافية اتاحها الرئيس نبيه برّي لمزيد من الاتصالات تمنع تعطيل السلطة الاشتراعية. في الساعات القليلة السابقة لالتئام هيئة المكتب، كانت المعطيات المتوافرة لدى رئيس البرلمان تدور من حول الآتي:

1 – لم يُرد انعقاد الجلسة تحدياً لكتل البرلمان سواء لمن يصر على عقدها – وهو منهم – كما لمن يرفضها. لكل منهما وجهة نظر يعدّها صاحبها محقّة وصائبة، الا ان ارتدادها على وحدة المجلس يمسي سلبياً اذا تشبّث كل من الطرفين بوجهة نظره. الاهم في ما لم يُرده برّي، تفادي ما تشهده حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من تشكيك في شرعية انعقادها ودستورية قراراتها. ارتداد سلبي كهذا يفقد الامل في الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية على وفرة الصعوبات التي يجبهها الاستحقاق.
2 – مع انه متيقن من توافر النصاب القانوني لالئتام الجلسة العمومية، وإن بالكاد بنصابها القانوني وهو 65 نائباً، لم يشأ اعتبار المواجهة حسابية مقتصرة على تأمين العدد. لم تكن ثمة مشكلة في توافر ميثاقيتها من خلال حضور نواب مسيحيين وتوفير التغطية لها. احتسب برّي سلفاً الحاجة الى الشرعية السياسية التي يتطلبها انعقاد الجلسة. ذلك ما باح به امام زواره انه لن يدعو الى جلسة يغيب عنها المكوّنان المسيحيان الكبيران وهما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. في المقلب المعاكس حساب مختلف مناقض: تغيّب كتلة التيار الوطني الحر مع النواب الـ46 الذين اعلنوا في 11 شباط مقاطعتهم الجلسة مزيداً اليهم نائبا صيدا اسامة سعد وعبدالرحمن البزري، يجعلهم يفيضون عن نصاب الـ65 نائباً، وانقلاب الكفة الى مصلحتهم هم بالذات.

 

3 – تأجيل بت الدعوة الى الاثنين المقبل لا يقلل من اصرار رئيس المجلس على الحق الدستوري للبرلمان في ممارسته صلاحياته والاشتراع في جلسات منفصلة عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. احد الادلة المعبّرة عن تمسكه بهذا الحق ضمّه الى جدول الاعمال، غير المقرّ نهائياً بعد، اقتراح قانون بالانفاق على القاعدة الاثنتي عشرية وفقاً للمادة 86 من الدستور بما يتيح للسلطات والادارات الصرف والجباية تبعاً لها الى حين اقرار الموازنة الجديدة. حتى البارحة كان البرلمان لا يزال ينتظر مشروع قانون تحيله اليه دوائر مجلس الوزراء في هذا الصدد، بيد ان تأخره آل الى وضع اقتراح القانون نظراً الى عجلته قبل ان تتسلم الامانة العامة للمجلس مشروع القانون. انتهى المطاف بالابقاء على اقتراح القانون.
4 – في حسبان رئيس المجلس لا تكمن المعضلة في جدول اعمال فضفاض او مختصر، بل في المسألة الجوهرية التي يدور من حولها تناقض المواقف والتفسيرات والاجتهادات، وهي دستورية الالتئام ام لا؟ الى ما تنص عليه المادة 75 القائلة بتحوّل البرلمان هيئة ناخبة في الجلسة الملتئمة لانتخاب رئيس الجمهورية، لرئيس المجلس وجهة نظر قالت بها اجتهادات القضاء الاداري، وهي ان لا فراغ في السلطات الدستورية العليا يتسبب في تعطيلها وشلّ دورها. ما ينطبق على مجلس الوزراء وكالة في نص دستوري توليه في غياب رئيس الجمهورية صلاحياته، يصحّ على مجلس النواب في نص مكمّل ان يكون في انعقاد دائم في خلال استقالة حكومة وتصريفها الاعمال، كذلك في استمراره تأديته صلاحياته الاشتراعية.

 

5 – لأيام خلت رُبط انعقاد جلسة البرلمان او عدم انعقادها بأحد البنود الحتمية في جدول اعمالها، وهو تمديد ولاية المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قبل بلوغه السن القانونية للتقاعد في 3 آذار المقبل. ذلك ما فسّر التجاذب من حول هذا البند بأن راح «يُمغَّط» بأسباب مختلفة ومختلقة، تارة بإلحاق مَن لا يُستحق في الوقت الحاضر الحاقه به وتمديد ولايته كالمدير العام لقوى الامن الداخلي المحال الى التقاعد بعد سنة وثلاثة اشهر، وطوراً بضم مديرين عامين مدنيين لا يمتون الى الاسلاك العسكرية والامنية بصلة اليه وبينهم مَن اضحى في تقاعده. لم يعد التهويل بالتغيب عن الجلسة يقتصر على فريق، ما ان أُدمج التسعير المذهبي به: نواب سنّة لا يحضرون ما لم يُمدد للمدير العام لقوى الامن الداخلي، وآخرون مسيحيون لا يحضرون ما لم يُمدد للمديرين العامين المدنيين.
اما ما يتعدى الدوافع التي املت على رئيس البرلمان تأخير بت دعوته الى انعقاد الجلسة دونما ان يفوت الاوان قبل 3 آذار – اذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار ان تمديد ولاية اللواء ابراهيم احد المبررات الجوهرية لانعقادها والاصرار عليها في معزل عن احتمال تكبد «أثقال» القبول بمقايضته بمطالب اخرى – فيُعزى الى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بالذات. ليس خلافه المتواصل مع حزب الله وتفكك تحالفهما سوى احد اصول تهديده بتغيب كتلته عن الجلسة المفترضة. بَانَ نائب البترون انه العقبة والحل في آن: حضوره وكتلته بنوابها الـ21 ينقذ الانعقاد ويضمن نصاب الاجتماع والتصويت في آن. العكس كذلك.

 

شاء باسيل بتصعيده الاخير الاحد توجيه رسالة صريحة الى حزب الله، مفادها انه لا يزال يملك المقدرة على رد التحية بمثلها. لأن وزيري الحزب اتاحا ولا يزالان عددياً وسياسياً لحكومة الشغور الالتئام واتخاذ القرارات وإن في غياب وزراء كتلته، يملك التيار الوطني الحر سلاحاً مماثلاً بعرقلة انعقاد مجلس النواب وانضمام كتلته تالياً الى النواب الـ46 مقاطعي اي جلسة للمجلس تسبق انتخاب رئيس للجمهورية. لم يوصد الابواب نهائياً دون حضوره ونوابه جلسة للمجلس، بيد انه اقرن جدول اعمالها بطابع العجلة.
ربما في الكوة هذه، حتى الاثنين المقبل، يكمن ايجاد حل لا يُعرّض الجلسة الى تشكيك وطعن.