لا تزال الجلسة التشريعية التي يريد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الدعوة إليها تتأرجح، بسبب رفض عدد لا بأس به من النوّاب المشاركة فيها، لا سيما نوّاب أكبر كتلتين مسيحيتين أي “تكتّل لبنان القوي” وكتلة الجمهورية القويّة”، في ظلّ تمسّكه بالميثاقية. غير أنّ برّي يصرّ على عقدها في أسرع وقت ممكن، قد يكون في منتصف الأسبوع المقبل، لأنّ الوقت بالنسبة لمدير عام الأمن اللواء عبّاس ابراهيم بدأ يضيق، إذ يُحال الى التقاعد في الأول من آذار المقبل، أي في غضون أسبوعين، ما يحتّم بتّ هذه المسألة في أسرع وقت ممكن.
مصادر سياسية عليمة رأت بأنّ الجلسة التشريعية ستُعقد الأسبوع المقبل بعد انعقاد هيئة مكتب المجلس يوم الإثنين، ما يجعل موعد الجلسة يُرجأ لبضعة أيّام، لأنّ الهدف الأساسي منها، هو التمديد للواء ابراهيم، كما لمدراء عامّين آخرين، فضلاً عن طرح موضوع “الكابيتال كونترول”، رغم الخلافات السياسية التي لا تزال قائمة حول “دستوريتها” أو عدمها، سيما وأنّ مجلس النوّاب قد تحوّل الى “هيئة ناخبة لانتخاب رئيس الجمهورية” وفق المادة 75 من الدستور اللبناني، ولا يجوز له بالتالي العودة الى التشريع، على ما يرى بعض النوّاب. غير أنّ برّي يرى بأنّ المجلس كهيئة ناخبة تنتهي مهمّة لدى إقفال محضر أي جلسة إنتخابية، لهذا يمكنه بعد ذلك اللجوء الى التشريع، سيما وأنّه مجلس منتخب حديثاً ويُمثّل كلّ شرائح الشعب اللبناني.
أمّا فيما يتعلّق بتأمين “الميثاقية” للجلسة التشريعية، أي عدم تغييب المكوّن المسيحي كشريك أساسي في البرلمان، في ظلّ إعلان “القوّات اللبنانية” و”التيّار الوطني الحرّ” عدم مشاركتهما فيها، فتجاوب المصادر أنّ الوقت لا يزال سانحاً للتشاور واستكمال الإتصالات مع تكتّل “لبنان القوي” لمشاركته أو بعض نوّابه في جلسة الأسبوع المقبل، كونه لم يُقفل الباب بشكل نهائي على الموضوع، فيما حسمت “كتلة الجمهورية القويّة” موقفها بمقاطعة الجلسة. ويتمّ التعويل على تغيير تكتّل “لبنان القوي” موقفه لجهة المشاركة في الجلسة التشريعية، خصوصاً إذا ضمّ جدول أعمالها بنوداً ضرورية ومحدّدة ولا يُمكن تأجيلها. فبند التمديد للمدراء العامّين المحسوبين على “التيّار الوطني الحرّ”، لا سيما المدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا يدخل ضمن أولوياته، خصوصاً وأنّ وجودهم في مراكزهم في الإدارات العامّة يخدم مصالحه خلال السنوات المقبلة، في حال انتُخب رئيس للجمهورية لا يتفق معه، أو لا يُشارك في الحكومة الجديدة. كذلك فإنّ استكمال مناقشة “الكابيتال كونترول” يدخل أيضاً ضمن البنود التي طالما عمل عليها التكتّل ودعا الى إقرارها.
من هنا، تتجه الأنظار، على ما أضافت المصادر نفسها، الى اجتماع هيئة مكتب المجلس يوم الإثنين المقبل. وستعمل الهيئة، على ما تتوقّع المصادر، على تخفيض بنود جدول أعمال الجلسة التشريعية الفضفاضة، والتي يبلغ عددها نحو 80 بنداً الى 10 أو 11 بنداً، أي ستقوم بـ “اختيار الأساسيات” منها، على ما طالب برّي. على أن تضمّ هذه البنود المواضيع الضرورية والملحّة التي إذا تأجّلت لا يُمكن بعد ذلك البتّ بأمرها وعلى رأسها التمديد للمدراء العامّين، لا سيما للواء ابراهيم الذي يُحال الى التقاعد في الأول من آذار المقبل، والوقت بات يضيق على تقرير مصيره، ومتابعة مناقشة “الكابيتال كونترول” لما له من أهمية في هذه المرحلة بالذات التي تُضرب فيها المصارف لاعتبارات عدّة.
وعن موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأخير حول ضرورة اعتبار مجلس النوّاب “هيئة إنتخابية لا هيئة تشريعية”، بهدف تشجيع البرلمان على انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن، وعدم تحويله الى هيئة لتشريع القوانين، لفتت المصادر عينها، الى أنّه قد يؤثّر على موقف نوّاب “تكتّل لبنان القوي” الذين يتفقون في الآونة الأخيرة مع مواقف الراعي. غير أنّ هذا الموقف لن يرغمهم على الإلتزام بعدم المشاركة في الجلسة التشريعية، في حال اقتصرت على البنود الأكثر ضرورة وإلحاحاً بما يتناسب مع مسألة الحفاظ على حقوق المسيحيين والدفاع عنها.
وتقول المصادر بأنّ “تشريع الضرورة” لا بدّ من أن يحصل في ظلّ الشغور الرئاسي، ووجود حكومة مستقيلة تُصرّف الأعمال، لا سيما وأنّ المجلس النيابي منتخب حديثاً من الشعب اللبناني، وهو المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تتمتّع بالشرعية، ولا يمكن اعتبارها “هيئة ناخبة فقط”، أو ترك الفراغ يتغلغل اليها، في ظلّ الشغور الرئاسي الذي يبدو أنّه سيكون طويل الأمد. غير أنّ نوّاب “التغيير”، لا يزالون يُعارضون مسألة تحويل المجلس من “هيئة ناخبة الى هيئة تشريعية” متسلّحين بالمادة 75 التي تنصّ على أنّ المجلس “الملتئم” لانتخاب الرئيس يصبح هيئة ناخبة لا هيئة إشتراعية، وعليه الشروع في انتخاب رئيس الجمهورية دون أي عمل آخر. ولكن طالما لم يدعُ برّي الى جلسة انتخابية منذ الجلسة الـ 11 الأخيرة التي عُقدت قبل ظهر الخميس في 19 كانون الثاني الفائت، فبإمكان المجلس أن يُشرّع، لأنّ المادة 75 تقول إنّ المجلس “الملتئم” لانتخاب الرئيس وليس (المدعو)، ما يجعل التشريع ممكناً في ظلّ غياب الرئيس.
علماً بأنّ الأهمّ يبقى، بحسب رأي المصادر، التئام المجلس سريعاً وانتخاب رئيس الجمهورية لإقفال الباب على السجالات والخلافات الدستورية، كما على التأويلات وتفسيرات الدستور. وقد طُلب من المجلس النيابي أخيراً عقد جلسة تفسيرية للمواد الدستورية، التي هي موضع جدل حالياً في ظلّ الشغور الرئاسي، لتوضيح الصورة وتلافي الوقوع في أي إجتهادات من قبل هذا الفريق أو ذاك.