IMLebanon

وادستوراه

 

 

وجهتا نظر تتنازعان آراء النوّاب بالنسبة لعمل البرلمان في غياب رئيسٍ للجمهوريّة. النظريّة الأولى يتزعّمها رئيس مجلس النوّاب والثنائي الشيعي وحلفاؤهم، مع تسجيل عدم وضوح وتخبّط في موقف «التيّار الوطني الحرّ» على طريقة لا ولكن، ونعم إذا…

 

النظريّة الثانية يتبنّاها جهاراً النواب المعارضون الذين وقّعوا عريضة بهذا الموضوع، وغيرهم من النواب المعارضين الذين يعبّرون عن مواقفهم إعلاميّاً. نظريّة نواب المعارضة أو السياديّين واضحة وهي تقول إنّه، استناداً إلى المواد الدستوريّة ذات الصِلَة، يُنتخب الرئيس العتيد قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس. (حَصَلَ أن انتخب الرئيس الياس سركيس قبل ستة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجيّه، وليس بعدها، تفادياً للشغور الرئاسي).

 

وتنصّ باقي المواد على أنّه، في حال الشغور لأي سببٍ كان، يتحوّل المجلس النيابي حُكماً وفوراً، من هيئة تشريعيّة إلى هيئة انتخابيّة حصراً، ويبقى مُنعَقِداً إلى حين انتخاب رأس الدولة. يعني بالنسبة لهؤلاء، مسألة ساعات أو أيام كحدّ أقصى ويُنتخَب الرئيس العتيد بحسب الدستور في حال الشغور. أمّا نظريّة رئيس المجلس النيابي ومن معه، فتقوم على أنّ الجلسة التي يَدعو إليها لانتخاب الرئيس لا يجوز التشريع فيها، ولكن عندما يرفع جلسة الانتخاب يعود المجلس تلقائيّاً إلى دوره الطبيعي أي التشريع كأنّ شيئاً لم يكن.

 

وهذا يعني بصريح العبارة أنّ المجلس النيابي، عند الشغور الرئاسي يبقى بحسب هذه النظريّة، كما هو في ظلّ وجود رئيسٍ للجمهوريّة، فيُكمِل عمله بشكلٍ طبيعي من دون الحاجة لوجود رئيسٍ للبلاد ولو طال الشغور سنين طويلة او عقوداً من الزمن.

 

وكأنّما المُهَل هي حَشوُ كلماتٍ وتواريخ في الدستور، وكأنّها لزوم ما لا يلزم. بينما الحقيقة أنّ تجاوز المهل الرئاسيّة هو ضربٌ لا بل مَقتَلٌ للدستور ولمبدأ تداول السلطة، ولا اجتهاد في معرض النَصّ.

 

وإذا عَطَفنا نظريّة رئيس البرلمان على ما يقوم به رئيس الحكومة، المستقيلة حُكماً، بدعمٍ من حُماتِه لناحية الدعوة إلى عقد جلسات حكوميّة دوريّة شبه أسبوعية في غياب رئيسٍ للجمهوريّة، فتُصبِح المعادلة، أنْ لا داعي لوجودِ أحَد في قصر بعبدا ولا داعي «للقصر» لأنّ فخامة الرئيس وفخامة الفراغ سيّان بالنسبة لهم.

 

نعرف أنّ هناك أَنظِمة دستوريّة في بعض البلدان المتقدّمة يقتصر فيها دور المَلك أو الرئيس على الشكليّات فقط، كمَلك انكلترا والرئيس الألماني والرئيس الإسرائيلي وغيرهم، لكنّ احترام الدول لذاتها يَفرض عليها وجود رأسٍ لكلِّ دولةٍ مهما كانت صلاحيّات الرأس لأن الرأس هو رأس النظام والانتظام.

 

فلو طِفنا في كلّ الكرة الأرضية، من أرقاها إلى مجاهلها، ولو جُلنا على المرّيخ والقمر وباقي الكواكب، لن نَرى مملكةً أو دولة واحدة من دون رأس، إلّا في لبنان حيث لا ضرورة للرأس.

 

اللهمّ إلّا إذا كان للجمهوريّة رأس أو مُرشد معلوم مجهول، يسكن خارج قصر بعبدا أو خارج لبنان، عندها يكون لبنان جُرماً في «كومونوِلثٍ معزولٍ»، لا بلداً سيدّاً حُرّاً مستقلاً. الدستور ليس لعبةً او معجونةً أو فخّارةً نَضَعُ لها «الدَينَة» حيث يريد الفاخوري. فإن اردتموه كذلك فأعلموا أنّ لعبتكم سيفٌ ذو حدّين ويُستعمل بالاتجاهين.

 

(*) عضو «الجبهة السياديّة من أجل لبنان»