نعم وألف نعم… بل مليون نعم.. لقد أصبحت كلمة دستورية وميثاقية كلمة حق يُراد بها باطل..
أقول هذا الكلام بسبب استعمال هاتين الكلمتين اللتين تعنيان الكثير… فقد استعملهما الرئيس السابق ميشال عون على مدى سنة وشهر، كعذر على عدم قبول التشكيلة الحكومية التي كان الرئيس سعد الحريري قدّمها إليه، وكان ذلك بتاريخ 2021/7/14.
الجميع يتذكر انه كلما صعد الرئيس المكلف في ذلك الوقت، أي الرئيس سعد الحريري الى بعبدا، وبما ان اللائحة التي كان يقدّمها للرئيس السابق لم تكن تضمّ اسم صهره المفدّى جبران باسيل، ولأنّ هناك شرطاً ثانياً فضحه الرئيس نجيب ميقاتي حين قال إنه لم يتمكن من تشكيل حكومة لأنّ الصهر يريد 12 وزيراً من أصل 24، أي انه يريد جميع الوزراء المسيحيين… هو الذي يعيّنهم ويكونون تابعين له، فكان غير معترف بأي مسيحي آخر غير المسيحيين التابعين له..
وهكذا بقينا سنة تحت حكم «كذبة أو مسخرة» اسمها الحقيقي رفض أي تشكيلة لا تضم الصهر أولاً، ولا تحوز قبول الصهر بأن يكون الوزراء المسيحيون من أتباعه وهو يعيّنهم.
في إحدى المرّات وبعد معاناة شديدة، وبما ان الرئيس سعد الحريري يعتبر نفسه «ام الصبي» قدّم تشكيلة الى الرئيس السابق ميشال عون.. وبعد رفضها أعلنها الرئيس الحريري من القصر الجمهوري ومن على شاشة التلفزيون مباشرة وكانت حجة الرئيس السابق في رفضها ان تلك التشكيلة ليست دستورية ولا ميثاقية، فأين عدم دستوريتها؟ العلم عند ربّ العالمين. وأين عدم ميثاقيتها؟ فالعلم عند ربّ العالمين أيضاً.
إشارة الى أنّ الأوضاع اللبنانية على حافة الانهيار وهي تتطلب حكومة في أسرع وقت لإنقاذ البلد.
لقد كان لبنان يعاني في ذلك الوقت انهياراً اقتصادياً، وصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ حالات الركود في التاريخ المعاصر. ودفعت الأزمة المالية أكثر من نصف السكان الى الفقر، كما شهد البلد تراجع قيمة العملة بأكثر من 90٪ خلال نحو عامين، كما ساهمت الأزمة السياسية في تدهور الأوضاع.
وبدا ان كل شيء في لبنان يسير نحو الهاوية، ونحو جهنم التي وعد الرئيس السابق شعبه بها، وبالفعل أوصله الى قعرها عن سابق تصوّر وتصميم.
وما زاد في الطين بلّة تفجير مرفأ بيروت الذي أودى بحياة 220 شخصاً وخلّف ستة آلاف جريح وهجّر 300 ألف مواطن من منطقة الجمّيزة والاشرفية.
وهنا نتساءل: أفي مثل هذه الظروف يعطّل الرئيس السابق تشكيل الحكومة بحجج واهية هي عدم الميثاقية وعدم الدستورية؟
وبما ان السبب الحقيقي أصبح معروفاً لم يتجرّأ فخامة الرئيس السابق مرة واحدة على الاعلان بصراحة ووضوح كيف ان التشكيلة المعروضة عليه لم تكن ميثاقية ولا دستورية.
نقول هذا الكلام عندما شاهدنا الصهر يكرّر ما كان يقوله عمّه عند تشكيل الحكومات. وها هو الصهر اليوم يستعمل الكلام نفسه قائلاً إنّ المرسوم غير دستوري ولا ميثاقي… لأنه لا يتضمّن توقيع رئيس الجمهورية، هذا أولاً. وثانياً هناك ثلاثة تواقيع للرئيس نجيب ميقاتي.
وكان الصهر قد صرّح في المجلس النيابي بعد مغادرته قاعة المجلس… «وصل إلينا مرسوم من الحكومة تشوبه شوائب دستورية عديدة أبرزها: انه لا يحمل تواقيع كل الوزراء. رفضنا بحثه في اللجان المشتركة قبل تصحيح الشوائب، معتبراً ان غياب رئيس الجمهورية لا يبرّر الاستخفاف في التعاطي، ويجب أن نذهب الى حوار لانتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن كي ينتظم عمل المؤسّسات… سبحان الله يريدنا أن ننتخب رئيساً فهل نسيَ ان عمّه أبقى البلاد سنتين ونصف السنة كي يُصار الى انتخابه رئيساً للجمهورية. وهنا نقول: الله يسامح الذي أبرم «اتفاق معراب»، إذ لولا ذلك الاتفاق لما وصل ميشال عون الى الرئاسة ولو ظلّ يحاول مئة سنة.
وهل نسي الصهر انه منذ اليوم الأول بعد سقوطه في الانتخابات النيابية مرّتين عُيـن وزيراً بعد سنة كاملة لأنّ الجميع لم يكونوا يرغبون في دخوله الحكم، خصوصاً أن الشعب اللبناني رفضه وأسقطه في الانتخابات النيابية مرتين متتاليتين. ولكنه يرى «الشوكة في عين غيره ولا يرى الإزميل في عينه».
اما رد الرئيس نجيب ميقاتي على جبران باسيل فكان على شكل بيان أصدره مكتبه الاعلامي، وقد جاء فيه: «إنّ ما أدلى به سعادة النائب جبران باسيل لناحية وجوب توقيع جميع الوزراء على المراسيم، كما واعتراضه على ورود عدة تواقيع لرئيس مجلس الوزراء، يشكل وجهة نظر غير قانونية بخلفية سياسية ممجوجة، وتتعارض مع نصوص الدستور الواضحة.
أما عن زعمه استعمال توقيع وزير، واقتباسه من كتب واردة على رئاسة مجلس الوزراء وإدراجها في متن المراسيم، فهو أمر من نسج خيال السيد باسيل السياسي الذي يحاول، وبشتى الطرق، ولأهداف سياسية مكشوفة، أن ينسب للحكومة بشخص رئيسها أموراً لا تمت للحقيقة بصلة.
إنّ التصحيح -يضيف البيان- في مشاريع المراسيم يتم في متن المراسيم الواردة نفسها، تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الرقم 1 تاريخ 2023/1/18 الذي طلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إصدار مشاريع المراسيم وفقاً للتعميم الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الرقم 36 تاريخ 2022/12/5 وبالتالي إجراء التعديلات اللازمة على مشاريع المراسيم الواردة.
أما بخصوص مزاعم السيد باسيل أن دولة الرئيس ميقاتي يتجاوز موقع رئاسة الجمهورية، فهو كلام مردود… وحريّ بالسيد باسيل وفريقه السياسي ونوابه أن يبادروا للقيام بواجبهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بدل انتهاج نهج التعطيل».
من كلّ ما تقدّم، يرى المتابع بوضوح ان «مسخرة الدستورية والميثاقية» التي عطّل بها الرئيس السابق ميشال عون البلاد وأوصل العباد الى جهنم… يتابعها الصهر في هذه الأيام، عن سابق تصوّر وتصميم، ليكمل خراب البلد، لأنه لم يستطع إقناع أحد بأحقيته في الوصول الى رئاسة الجمهورية… فهنيئاً له بهذا الشعار الممجوج الذي ورثه عن عمّه.