Site icon IMLebanon

 جلسة تشريعية بعد جلسة انتخاب الرئيس | رواتب القطاع العام: تعطيل وابتزاز

 

 

تجزئة الزيادات على رواتب ومخصّصات القطاع العام تأتي في إطار سلوك مزمن مارسته قوى السلطة ضدّ القطاع العام مدّعية بأنه غير منتج. هذه التجزئة تُستعمل كأداة للتعطيل والابتزاز. فالقطاع العام، اليوم، شبه متوقف، فيما الابتزاز بات واضحاً لأن تسديد الرواتب مع زياداتها صار رهناً بدعوة الهيئة العامة لمجلس النواب، لمناقشة اقتراحات القوانين التي تغطّي هذه الزيادات المجزّأة للعاملين في القطاع العام كأنها «هديّة» عيد الأضحى

 

هل سيتقاضى موظفو القطاع العام رواتبهم ومخصّصاتهم قبل عيد الأضحى في نهاية حزيران؟ يمكن اختصار الإجابة بالآتي: الأكيد أنه قبل عيد الأضحى سيتقاضى موظفو القطاع العام نسبة من مجموع الرواتب والمخصّصات وبدلات النقل إضافة إلى الزيادات التي طرأت عليها بشكل متفرّق على مدى السنتين الأخيرتين، لكنهم لن يتقاضوا الباقي لأن لا تغطية قانونية لوزارة المال من أجل تسديدها. تحديد النسبة ليس سهلاً بعدما جرت تجزئة الزيادات على الرواتب والمخصصات على مدى أكثر من سنتين، وهذه التجزئة لم تُقرّ بكاملها بشكل دستوري وقانوني، سواء على مستوى فتح الاعتمادات أو تشريع ما أقرّه مجلس الوزراء باقتراحات قوانين في مجلس النواب. كل هذا يتطلّب انعقاد جلسة تشريعية قريباً بعد انتهاء جلسة انتخاب الرئيس.

 

تحتاج وزارة المال إلى تغطية قانونية لسداد مبالغ الرواتب والأجور وبدلات النقل التي تُقدّر قيمتها للأشهر السبعة المقبلة بنحو 37 ألف مليار ليرة، أي بمعدل 5280 مليار ليرة شهرياً. ورغم أن هذه الزيادة وكل ما سبقها منذ انفجار الأزمة لغاية اليوم، تُعدّ متواضعة لأنها بمعدل 7 أضعاف قياساً على تضخّم في الأسعار بمعدّل 37 ضعفاً، إلا أن قوى السلطة تعاملت مع رواتب ومخصّصات العاملين في القطاع العام وفق مبدأ التجزئة. فجرى منح العاملين في القطاع العام زيادات بالتجزئة من دون أي معيار واضح، وأُقرّت هذه الزيادات بأشكال مختلفة من أجل التحايل على تعويضات نهاية الخدمة، إذ أعطيت زيادات على شكل مساعدة اجتماعية وبدل إنتاجية… كما أُقرّت زيادات في جلسة الموازنة العامة 2022 من دون فتح الاعتمادات، ما جعل تسديد الرواتب بشكل مستدام طوال السنة أمراً مستحيلاً، حتى بات تسديدها يتطلب إقرار الاعتمادات الإضافية في مجلس النواب وانعقاد جلسة تشريعية. وزاد الأمر سوءاً، عندما أقرّ مجلس الوزراء زيادات إضافية اعتبرها مجلس النواب خارجة عن نطاق تصريف الأعمال، ليتم تحويلها إلى اقتراح قانون وقّعته مجموعة من النواب تمهيداً لإقراره في الجلسة التشريعية المقبلة.

 

تحتاج وزارة المال إلى تغطية قانونية لسداد 37 ألف مليار ليرة للرواتب والأجور وبدلات النقل

 

 

مقاربة قوى السلطة لهذا الملف، تأتي في سياق التخبّط الذي وقعت فيه منذ اليوم الأول للإفلاس. فمع انهيار قيمة الليرة تجاه الدولار، تباطأت السلطة في التعامل مع الملف بشكل واضح وحاسم وتركت القوّة الشرائية للأجور تتآكل. ومع تسارع الانحدار في قيمة العملة، تسارع الانهيار في القوّة الشرائية للعاملين في القطاع العام، وفي الحاصلات الضريبية أيضاً. واتخذت السلطة مسألة التحصيل الضريبي ذريعة لمزيد من التباطؤ والتجزئة. وبدأت تمنح العاملين في القطاع العام زيادات شهرية ثابتة على الأجور تحت اسم «مساعدة اجتماعية». وبعد كرّ وفرّ استمرّا لعدّة أشهر، أُقرّت الموازنة العامة لعام 2022 قبل نهاية السنة نفسها بثلاثة أشهر، وجرى تضمينها المادة 112 التي تمنح العاملين في القطاع العام ضعفي أساس الراتب الشهري أو أساس الأجر على ألا يقل الراتب عن 5 ملايين ليرة وألا تكون قيمة الزيادة فوق 12 مليون ليرة. وبعدها قرّر مجلس الوزراء منح العاملين في القطاع العام زيادات إضافية تحت المسميات نفسها. وفي الجلسة التالية، أُقرّت مجموعة مراسيم تتعلق بفتح اعتمادات إضافية في الموازنة لتغطية التعويض المؤقت وزيادة بدلات النقل ومعاشات التقاعد. باختصار، تقول اللجنة المكلّفة «دراسة الزيادات التي قُدمت إلى القطاع العام وإعادة تفعيل العمل في الإدارة العامة واقتراح التدابير لإصلاح القطاع العام»، إن الحكومة أقرّت الزيادات الآتية:

 

– 50% من بدلات الرواتب من تشرين الثاني 2021 إلى حزيران 2022.

– 100% من بدلات الرواتب من تموز إلى أيلول 2022 بالإضافة إلى بدلات إنتاجية لمدة شهرين عن آب وأيلول 2022.

– 200% من مخصّصات الرواتب منذ تشرين الأول 2022 بموجب قانون الموازنة.

– 400% من بدلات الرواتب، و300% للمتقاعدين.

– زيادات متتالية في بدلات النقل.

– السماح للموظفين الحكوميين بسحب رواتبهم بالدولار الأميركي بسعر صيرفة الأقل من سعر صرف الدولار في السوق.

كل هذه التجزئة للزيادات على رواتب العاملين في القطاع العام تأتي في سياق رغبة السلطة في المزيد من التقشّف وتدمير القطاع العام الذي لطالما زعمت بأنه غير منتج. فمنذ أمد بعيد وقفت قوى السلطة ضدّ مصالح ومكتسبات العمّال في القطاعين العام والخاص، وامتنعت مراراً عن منحهم حقوقهم في غلاء المعيشة. كان أزلام المصارف يستشرسون في مجلس الوزراء ومجلس النواب لقيادة خيار تهديم القطاع العام. ومسار التجزئة في الزيادات للعاملين في القطاع العام، يعني تهجير الأكثر كفاءة في هذا القطاع، وقد أدّى التباطؤ في التعامل مع الرواتب والأجور وسائر المخصّصات إلى إقفال الإدارات والمؤسسات العامة بكل أشكالها، وهو أمر انعكس مباشرة على مصالح الناس التي تعطّلت، حتى باتت الرشوة حافزاً شبه وحيد لتخليص المعاملات. بعض القطاع العام بات رهينة الخارج والمساعدات التمويلية الآتية من هناك، ما شكّل دافعاً من أجل استعمال هذه الأموال والنفوذ المرتبط بها لمشاريع سياسية… الفوضى في القطاع العام هي نتاج سلوك السلطة.