في كل مرة كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يدعو إلى جلسة للهيئة العامة، كانت قوى المعارضة تسارع الى تأكيد أنها لن تلبّي الدعوة لحضور جلسة «تخالف الدستور» باعتبار أن مجلس النواب، في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، يتحوّل إلى هيئة ناخبة مهمتها الوحيدة انتخاب الرئيس وليس التشريع. وفي كل مرة، كان رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع يخرج «مفتياً» بأن عقد مجلس النواب جلسة تشريعية اعتداء موصوف على الدستور، ما أدى إلى تطيير إقرار قوانين إصلاحية بفعل غياب النصاب أو الاعتصامات داخل المجلس وخارجه للمناداة بعدم التشريع.ولكن، لم يكد يمضي شهر على آخر «فتاوى» جعجع في هذا السياق، حتى تحوّل الخطاب إلى تأييد «تشريع الضرورة»، وتقدّم رئيس حزب القوات، نفسه، المطالبين بجلسة تشريعية ولو في ظل الفراغ الرئاسي، مبتدعاً استثناءات واجتهادات تتعلق بـ«مسألة طارئة ووجودية» اسمها التمديد لقائد الجيش جوزيف عون. وبعدما كان نواب القوات رأس حربة في مقاطعة الجلسات التشريعية، مدعومين من زملائهم الكتائبيين و«التغييريين»، سارعوا أخيراً إلى تقديم اقتراح قانون للتمديد لعون، وزاروا عين التينة لإقناع رئيس المجلس بعقد جلسة، وأبدوا استعدادهم لتمرير أيّ بنود يضعها على جدول الأعمال كرمى للتمديد فقط.
هكذا، انقلبت مبادئ القوات وثوابتها فجأة، و«تصادف» ذلك مع ضغط أميركي – فرنسي – سعودي للتمديد لقائد الجيش باعتباره «ضمانة لأمن أوروبا»، ومع تصاعد دعوات الرعاة الغربيين لـ«السياديين» المحليين إلى تطبيق القرار 1701، كرمى لطمأنة سكان المستوطنات المتاخمة للحدود مع لبنان!
حتى الساعة، لم يحدد بري موعداً للجلسة التشريعية التي لن يتضمّن جدول أعمالها بند التمديد وحيداً، بل عشرات البنود، منها الضروري، ومنها ما لا يمتّ الى الضرورة بصلة، إذ إن رئيس المجلس لن يقدّم التمديد على طبق من فضة، بل سيجرّ الكتل النيابية الى جلسة تؤسّس لجلسات مستقبلية. كما لن يكون اقتراح التمديد على رأس جدول أعمال الجلسة، بل ستسبقه بنود حتى لا يلعب أحد لعبة تطيير النصاب وفضّ الجلسة بعد إقرار التمديد.
ورغم إجماع مكوّنات «المعارضة» على تأييد التمديد، إلا أنها لم تحسم كلها بعد موقفها من حضور الجلسة، ويحاول بعضها قدر الإمكان إبعاد هذه «الكأس المرّة» برمي التمديد على عاتق الحكومة.
المحسوم قواتياً هو حضور الجلسة التي يفترض أن يدعو إليها بري الأسبوع المقبل، كونها «تحمل بنداً ملحّاً وطارئاً لا يمكن المماطلة به»، وفق مصادر قواتية. أما حزب الكتائب، الذي استشرس رئيسه النائب سامي الجميل سابقاً في رفض أيّ تمديد، سواء لأشخاص أو مؤسسات، فلم يعط موقفاً حاسماً بعد، إذ تقول مصادر كتائبية إن «الأولوية هي للتمديد عبر الحكومة وهو أمر دستوري ومتاح مع دخول لبنان في حالة حرب». أما في حال عجزت الحكومة عن ذلك، «فعندما نصل إليها نصلّي عليها». والأمر نفسه ينطبق على «التغييريين» الذين يميل بعضهم (كالنواب: مارك ضو ووضاح الصادق وميشال دويهي) الى عدم حضور الجلسة التشريعية «تطبيقاً للدستور»، بحسب ضو. ويضيف: «نعتبر أن المسؤولية تقع تحديداً على عاتق رئيس الحكومة ووزير الدفاع ومجلس الوزراء الذين يمكنهم إصدار قرار تأجيل التسريح من ضمن صلاحياتهم. لذلك لن نغطي تقصير السلطة التنفيذية التي تتهرّب من كل الملفات الملحّة وترميها على مجلس النواب».
النائب ملحم خلف، المعتصم منذ أشهر في مجلس النواب، يرفض أيضاً التشريع في ظلّ الفراغ، فيما يقول النائب إبراهيم منيمنة لـ«الأخبار» إنه لم يتخذ قراراً بعد، علماً أنه من ضمن مجموعة تضم النواب: بولا يعقوبيان ونجاة عون وياسين ياسين وفراس حمدان. أما بالنسبة إلى يعقوبيان، فإن المجموعة لا تحمل رأياً واحداً في ما يتعلق بالتشريع، إذ «إننا واقعون بين معضلتين: الأولى عدم منح السلطة الفرصة للإمعان في مخالفة الدستور، والثانية هي ورود قوانين ملحّة تتعلق بمصالح المواطنين كمشروع أمان والموازنة والقوانين الإصلاحية التي تضعنا أمام واجباتنا كنواب بضرورة الحضور لتأمينها لهم». لكن هذه «الأمور الملحّة» كانت على جداول أعمال جلسات سابقة رفض «التغييريون» حضورها، فما الذي تغيّر اليوم؟ تجيب يعقوبيان: «اليوم هناك موازنة إن لم نعدّلها في مجلس النواب فستقرّها الحكومة بمرسوم كما هي، وثمة مشاريع اجتماعية وأمور تتعلق بالأساتذة… لكننا لم نتخذ قراراً بعد والموضوع قيد النقاش في اجتماعات نعقدها».
في المقابل، لا يمانع النائب الياس جرادة الحضور، فيما لم يتّضح بعد موقفا النائبتين سينتيا زرازير وحليمة قعقور.
أما على جبهة الأحزاب، فمن المؤكد حضور نواب حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي والنواب السنّة المستقلين وسط مقاطعة التيار الوطني الحر، ما يعني عملياً أن نواب حزب القوات هم بيضة القبان المعوّل عليها غربياً لتأمين نصاب الجلسة وإقرار التمديد إذا لم تتولّ الحكومة اتخاذ هذا القرار.