IMLebanon

هل سينام عون وعثمان على حرير التمديد؟

 

 

لا يختلف اثنان على أنّ الرابح الوحيد في الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس النواب قبل نهاية الأسبوع الماضي هو المجلس، ولا يشاركه في هذا الربح أحد.

فهذه الجلسة، بشكلها ومضمونها، أكدت الصلاحيّة التشريعية للمجلس، وأسقطت المنطق الذي «طَوش» اللبنانيين بمقولة إنّ المجلس النيابي تحوّل مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الى هيئة ناخية ولا يجوز له التشريع في غياب رئيس الجمهورية. علماً انه كانت لأصحاب هذا المنطق أنفسهم محطة اعتراف سابقة بصلاحية المجلس التشريعية بمشاركتهم في جلسات تشريع سابقة في ظل الشغور الرئاسي في العام 2016، أقرّت 76 قانوناً.

 

إذاً هذا المنطق، الذي حقن الرأي العام بتلك المقولة، وأثار حولها جدلاً عقيماً منذ بدء الشغور في موقع رئيس الجمهورية، لم يكن دستورياً، ولا مبدئياً، بل كان سياسيّاً بامتياز، مُطعّماً بالنكد، والحقد، والابتزاز، وبنكايات وغايات حزبية وشعبويات فوق الوصف غلّبت السياسة على الدستور الذي لا يقيّد المجلس النيابي بأيّة أحكام مانعة لصلاحيته التشريعية. ويحدّد بكلّ وضوح لا يحتاج الى اي تفسير، حالة ضيّقة جداً يصبح فيها المجلس هيئة ناخبة؛ أي في الجلسة المنعقدة لانتخاب رئيس الجمهورية حصراً، وليس خارجها، وفق ما تنص عليه المادة 75 من الدستور التي ورد فيها ما حرفيته «إنّ المجلس المُلتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية…».

 

مُشاركة أصحاب هذا المنطق في الجلسة التشريعية الاخيرة، جاءت تأكيداً لا يرقى إليه الشك على بطلان هذا المنطق واعترافاً واضحاً وصريحاً بالصلاحية التشريعية للمجلس في كل زمان وأوان. ومجيئهم الى بيت الطاعة التشريعية في غياب رئيس الجمهورية، قفزوا فيه فوق جمهورهم الذي زرعوا فيه مقولة «المجلس هيئة ناخبة»، فبَرّروا هذا القفز بمحاولة هروب الى الأمام بارتداء ثوب الحريص المتنازل لمصلحة البلد، وبتغطية انتقالهم من مربّع «النكايات تبيح المحظورات والتفسيرات السياسية للدستور»، الى مربّع «الضرورات تبيح المحظورات»، بذريعة «الحفاظ على المؤسسة العسكرية واستمراريتها وتجنيبها فوضى تهددها».

 

لكنها بلا أدنى شك، محاولة هروب فاشلة من تهمة باتت لصيقة بهم، بأنّهم يعتبرون الدستور إلهاً من تمر لا يأكلونه في لحظة جوع فحسب، بل يوقتون أكله عندما يرون في ذلك مصلحة لغاياتهم وحساباتهم وحزبياتهم. او عندما يوحى لهم بذلك، على ما بَدا جلياً في أداء جهات سياسية، كانت حتى ما قبل ساعات قليلة من انعقاد الجلسة التشريعية تعلن أنّ قرارها مبدئي بمقاطعة جلسات التشريع في غياب رئيس الجمهورية، فإذا بهذا المبدأ يتلاشى، وتكون أول الحاضرين، او جالسة على مقاعد الاحتياط في الشرفة المخصصة للضيوف والصحافيين المُطلة على الهيئة العامة، الى جانب كوكبة من نواب السيادة والتغيير، استحضرت كقوة عددية للحظة إتمام النصاب ورفع اليد بالتصويت على التمديد، وبعضهم وفي مشهد هزلي وكاريكاتوري تحرّكت لديه حميته التشريعيّة، وشارك في التشريع من «البلكون» برسائل عبر «الواتساب» الى زملاء له في القاعة العامة؟!

 

والنافر في تلك المحطة، هو أنّ إرادة العبث السياسي لم تنتفِ، بل سرعان ما عادت لتتجلى بعد الجلسة التشريعية مباشرة، في القول انّ المشاركة في هذه الجلسة لا تعني المشاركة في جلسات مماثلة لاحقاً ما خَلا جلسة إقرار موازنة العام 2024، وفي التباري الفولكلوري أمام الكاميرات في تجيير إنجاز التمديد كلّ لنفسه، وأنّ كلّاً منهم هو صاحب الفضل الاول والاخير في تحقيقه، وفي عزف اسطوانة «حَمينا الجيش والمؤسسات الامنية»، جذبت إليها بعض نواب الصدفة التفضيلية فاندفعوا في حركة تشبه التهريج الى أن يحشروا أنفسهم في العرس، «ليناولوا من الحلو قضمة». الّا انّ نقطة ضعف هذا التباري، تكمن في أن المتبارين تجاهلوا حقيقة انّ حَشدهم للدعم النيابي من كل حدب وصوب تغييري وسيادي واستقلالي ما كان ليؤمّن النصاب (65 نائباً)، حيث أن نصاب الجلسة لحظة التصويت على التمديد كان على المنخار (68 نائباً)، ولولا الأصوات التي وَفّرتها كتلة التنمية والتحرير، لفُقِد النصاب ولما كان لقانون التمديد أن يقرّ.

بمعزل عمّا تقدّم، هل انتهى الأمر؟

الجلسة التشريعية حسمت التمديد سنة لمن هم في رُتَب عماد ولواء، وأوّل المستفيدين قائد الجيش العماد جوزف عون ومدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان. وبهذا التمديد يمر القطوع الاول لهذا الإجراء، ولكن يبقى أمامه قطوع ثان في المجلس الدستوري ربطاً بالطعن بقانون التمديد المنتظر من تكتل لبنان القوي، بعد أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسميّة ويصبح نافذاً.

 

يعني ذلك، أنّ الطعن بهذا القانون لن يُنيّم المستفيدين منه على حرير التمديد حتى صدور قرار المجلس الدستوري في هذا الشأن، سواء لناحية ردّ الطعن، وهذا يعني أنّ هؤلاء المستفيدين سينامون ملء جفونهم على حرير نادر ناعم الوثير، او لناحية إبطال القانون، وهذا يعني أنه لن يكون أمام مَن شملهم التمديد سوى أن يعدّوا الأيام المتبقية لهم في الخدمة، ليُغادروا في نهايتها كلّ منهم الى منزله وعالمه الجديد برتبة ضابط متقاعد.

 

على انّ المشهد يتكرر؛ في زمن الحرب تحوّل اللبنانيون بصرف النظر عن مستوياتهم ومواقعهم ووظائفهم، الى خبراء في السلاح وكثر المحللون الاستراتيجيون، وفي الازمة الإقتصادية تحوّلوا الى خبراء في المال والاقتصاد ومنظّرين في سياسات واستراتيجيات البنك الدولي والصناديق والمؤسسات المالية العربية والدولية، وفي زمن «كورونا» تحوّلوا الى «دكاترة» وخبراء في الـ»PCR» وعلماء في اللقاحات وفي الوصفات الوقائية من «الفيروسات المتحورة»، مضافة الى كل ذلك رتبتهم التي ارتقوا اليها في الازمة السياسية الدائمة كمحلّلين سياسيين. وفي زمن التمديد الحالي، عَجّل بعضهم بالتحوّل إلى خبراء في الدستور وعباقرة القانون، وبدأوا يُسقطون تنبؤاتهم وآراءهم وفتاواهم على ما سيقرره المجلس الدستوري قبل أن يُطعَن بقانون التمديد، وهذه عَيّنة ممّا بدأ يُقال:

 

– رأي، يُنصف المجلس الدستوري، ويحيّده عن المداخلات السياسية، بالتأكيد على أنه سينظر إلى قانون التمديد – إن قدّم له – بعين الدستور والقانون، وبتحكيم للضمير.

– رأي ثان، مُتحامل على المجلس الدستوري لا بل ظالم له بالحكم عليه مسبقاً بالخضوع للتسييس، والقول بعدم استطاعته ان ينقض تسوية تمديدية أبعادها سياسية، وطائفية، وإقليمية ودولية.

– رأي ثالث، حاسِم بأنّ المجلس الدستوري سيبطل قانون التمديد، لكونه قانوناً ضيّقاً مفصّلاً على مقاس اشخاص محدّدين سَمّاهم القانون من دون أن يسمّيهم.

– رأي رابع، قائل إنّ جمرة نار حارقة ستُلقى في يد المجلس الدستوري، تُلقي به في مربّع الإحراج والصعوبة في اتخاذ القرار؛ فإنْ ردّ الطعن سيُتّهم بالخضوع للسياسين، بمُماشاته قانوناً لا يتّصِف بالشمولية ومفصّلاً لإفادة اشخاص محظوظين، فيكون بذلك قد وجّه لنفسه ضربة معنوية قاسية واعداماً لهويته كهيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية تتولى مراقبة دستورية القوانين. وإنْ أبطلَ قانون التمديد فلهذا القرار آثاره السياسية والطائفية في الداخل، وخَلل وفراغ وفوضى في المؤسسة العسكرية.

– رأي خامس، قائل انّ المجلس الدستوري قد يلجأ الى «نصف إبطال» لقانون التمديد، بحيث يُبقي على التمديد لقائد الجيش حَصراً حِرصاً على المؤسسة العسكرية واستمراريتها وتجنّباً لحصول فراغ في قيادة الجيش، خصوصاً انّ ولاية العماد عون تنتهي بعد ايام، فيما يبطل الشق الثاني من التمديد المتعلّق بمَن هم في رتبة لواء، على اعتبار أن صفة العجلة والالحاح لا تنطبق عليهم.

 

– رأي سادس، يرى انّ المجلس الدستوري – إن اتخذ قراراً بإبطال قانون التمديد – سيكون في حِلّ من ايّ إحراج بأن يكون سبباً في إحداث فراغ في قيادة الجيش او خلل وإرباك في سائر الاجهزة الأمنية إن كانت الحكومة قد بادرت إلى تعيين رئيس جديد للأركان وسائر اعضاء المجلس العسكري قبل قرار الابطال، وفي هذه الحالة تُناط قيادة الجيش وكالة برئيس الاركان، وبالتالي تنتفي الخشية من حصول فراغ. وحتى ولو لم تبادر الحكومة الى هذه التعيينات، فقرار الإبطال إن صدر عن المجلس الدستوري، يُعيد الكرة تلقائياً إلى الحكومة، التي تصبح في هذه الحالة ملزمة باتخاذ الإجراء المانع للفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية، حتى ولو كان أي إجراء تتّخذه عرضة للطعن به امام مجلس شورى الدولة؛ إمّا بأن تمدّد لقائد الجيش الحالي، وإمّا بأن تعيّن قائدا جديدا، وإمّا بأن تعيّن رئيسا للاركان وسائر اعضاء المجلس العسكري. وأمّا بالنسبة الى سائر الأجهزة الأمنية فإنها تعمل وتسيّر امورها وتقوم بواجباتها في ظل قياداتها الموجودة سواء بالاصالة او الوكالة.

 

ليس معلوماً أيّ من هذه الآراء سيصح ويؤخَذ به، لكن سيتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود بعد الطعن بالقانون، الذي يفترض ان يسلك مسارا يبدأ أولاً، بتقديم مراجعة الطعن الى المجلس الدستوري خلال خمسة عشر يوماً بعد تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، وبعد تسجيل الاستدعاء يليه اجتماع للمجلس للنظر في تعليق مفعول النص المطعون فيه الى حين البت بالطعن. ويلي ذلك تعيين مقرر من اعضاء المجلس لوضع تقرير في القضية خلال مهلة عشرة ايام من تاريخ تعيينه. يدعو بعدها رئيس المجلس الدستوري الى جلسة تُعقد خلال خمسة ايام من ورود التقرير للتداول في موضوع الطعن، وتبقى الجلسة مفتوحة إلى أن يصدر القرار عن غرفة المذاكرة في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة، بأكثرية سبعة أصوات من عشرة اعضاء يتألف منهم المجلس الدستوري، شرط تَوفّر نصاب في الجلسة بمعدّل ثمانية اعضاء من عشرة.