عاشت البلاد منذ نهاية الأسبوع الماضي حالة سجال مسيحية بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» على خلفية عزم «التيار» المشاركة في الجلسة التشريعية التي سيدعو إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي. يُجمع من يتعاطى الشأن الدستوري في بلد بات فيه الدستور وجهة نظر، على تحوّل مجلس النواب هيئة إنتخابية لا تشريعية في آخر 10 أيام قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وبعد وقوع الشغور الرئاسي، لكن في لبنان كل شيء معرّض للخرق وفق شعار «الغاية تبرّر الوسيلة».
وإذا كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع هو أوّل من تصدّى لمحاولة إعطاء الجلسة المزمع عقدها ميثاقية مسيحية ووطنية، فقد سجّل الدخول الأقوى للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد ووجّه صفعة قوية إلى النائب باسيل، وأصاب جلسة برّي بالصميم، ولم يسلم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من نيران البطريرك الماروني.
وعلى وقع تهديد «القوات اللبنانية» على لسان النائب غسان حاصباني بحصول زلزال ثانٍ بعد 17 تشرين في حال ذهبت الكتل للجلسة التشريعية، حسمها سيّد بكركي بالأمس وقال كلاماً واضحاً لا يقبل التأويل أو التفسير ومفاده أنّ «المجلس النيابي هيئة ناخبة لا اشتراعية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية ولا شرعية لعمل الحكومة والمجلس النيابي في حالة الشغور الرئاسي».
إنتظر الراعي أكثر من 48 ساعة بعد ورود أخبار عن نية عقد الجلسة التشريعية وإمكانية مشاركة «التيار الوطني الحرّ» فيها، واطّلع على كل المواد القانونية المحيطة بعمل مجلس النواب أثناء الشغور الرئاسي والتي هي أصلاً معروفة لدى الجميع، وتواصل مع عدد من القانونيين والنواب المشرّعين الذين عارضوا عقد هذه الجلسة. وأبدى الراعي إرتياحه للعريضة النيابية التي وقعها 46 نائباً معارضاً والتي ترفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي.
لم تقتنع بكركي بكل التبريرات التي سمعتها بشأن مشاركة نواب «التيّار» في الجلسة، وعلى رغم بقاء الإتصالات مفتوحة مع «ميرنا الشالوحي»، رأى الراعي أنّ المراوغة ومحاولات شراء الوقت لن تنفع لأن هناك نية للقفز فوق الرئاسة الأولى والتصرّف وكأن البلد «ماشي» بلا رئيس. لا تعتبر بكركي أنّ موقف الراعي موجّه ضد طرف مسيحي وحده أو ضد فريق معين، بل ضدّ كل نائب مسيحي وغير مسيحي يعطّل جلسات إنتخاب الرئيس ولا يقوم بدوره الذي على أساسه نال التفويض الشعبي، بينما يبرم صفقات مخالفة للدستور لتسيير أي مصلحة تخصّه.
وإذا كان باسيل قدّ تلقّى صفعة من البطريرك الراعي، إلّا أنّ الصفعة الأقوى التي خرجت من بكركي، أصابت الرئيس برّي، فالرجل كان متحمّساً للجلسة التشريعية وعقد «صفقة» مع باسيل، لكن موقف الراعي نزع عن جلسته الغطاء المسيحي وجعله في مواجهة مع البطريركية المارونية. وليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها مواجهات بين بكركي وعين التينة، فعندما دعا برّي إلى حوار حول انتخاب الرئيس كان جواب بكركي: الدستور ينصّ على ضرورة قيام النوّاب بانتخاب رئيس والحوار كما كان يحصل في السابق هو مضيعة للوقت ولن يوصل إلّا إلى مزيد من التأزّم.
وتتّسع الهوّة بين بكركي وعين التينة، خصوصاً أنّ البطريركية ترى تصرفات «الثنائي الشيعي» ورغبته المتمادية في التعطيل من أجل فرض الرئيس الذي يريده، ومن هنا كلام الراعي في العظة نفسها عن أنّ «المسيحيين مختلفون على هويّة الرئيس بينما الآخرون مختلفون على هويّة لبنان». لم تُكسر الجرّة نهائياً بين الراعي وبرّي، لذلك تأمل بكركي في سحب برّي دعوته لعقد جلسة تشريعية في ظل غياب رئيس الجمهورية والتركيز على انتخاب رئيس، وعدم الدخول في «بزارات» على حساب المطلب الأهم وهو إنهاء شغور الرئاسة الأولى.
يتكلّم الراعي من منطلق دستوري بحت برفضه الجلسات التشريعية وانعقاد جلسات الحكومة، من هنا لم يسلم ميقاتي هو الآخر من كلام الراعي، وتتخوّف بكركي من نشوء «ديو» بين برّي وميقاتي بمباركة «حزب الله» يستغلّ طموح بعض المسيحيين للسلطة ويكون شبيهاً ربما لحالة «الترويكا» التي نشأت بين أعوام 1990 و2005 والتي حكمت لبنان بلا المكوّن المسيحي، من هنا أطلق الراعي سهامه في كلّ الإتجاهات، بغض النظر عن الجلسة التشريعية أو أي جلسة حكومية معلناً افتتاح مرحلة جديدة من المواجهة والتي سيكون عنوانها رفض تغيير هويّة لبنان عبر إطالة أمد الفراغ الرئاسي.