من حيث المبدأ، يشكل انعقاد هيئة مكتب مجلس النواب الإشارة الأبرز لاقتراب موعد انعقاد الجلسة التشريعية، لكن التجربة اللبنانية، في ظل الفراغ، لا تشجع على التسليم بالترابط بين الأمرين. ففي 20 أيار الماضي، وبعد أن اتفقت هيئة مكتب المجلس على جدول أعمال «تشريع الضرورة»، لم يكن ينقص سوى انعقاد الجلسة التشريعية، لكن النتيجة كانت أنها لم تنعقد حتى اليوم. أمس أيضاً عقدت الهيئة اجتماعاً، لكن ذلك لا يعني أبداً أن الجلسة التشريعية صارت بمتناول اليد. الطريق إليها لا تزال طويلة، بالرغم من كل المساعي التي يقوم بها الرئيس نبيه بري لهذه الغاية.
في الاجتماع الذي ترأسه بري، في عين التينة، بمشاركة نائب الرئيس فريد مكاري والنواب: مروان حمادة، احمد فتفت، ميشال موسى، انطوان زهرا، وسيرج طورسركيسيان والامين العام للمجلس عدنان ضاهر، تم الاتفاق على جدول أعمال مؤلف من 19 بنداً. لكن ذلك لم يكن كافياً لتحديد موعد الجلسة. فقد تبين أن 13 مشروعاً أضيفت إلى اللائحة التي كانت وزعت على النواب، من دون أن يتمكنوا من الاطلاع عليها. وبالرغم من أن هذه المشاريع لا تزال تدرس من اللجان، إلا أن بري قرر إحالتها إلى الهيئة العامة نظراً إلى ضرورتها، وهي في معظمها قوانين مالية، تضغط المؤسسات الدولية من أجلها إقرارها، لا سيما منها: «تبادل المعلومات الضريبية»، «تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال» و «نقل الأموال عبر الحدود».
وعليه، فقد طلب النواب استمهالهم ريثما يطلعون على المشاريع الجديدة، ما أدى إلى تأجيل الاجتماع إلى الثلاثاء المقبل، وبالتالي تأجيل الجلسة التشريعية الموعودة أسبوعاً إضافياً أو أكثر، بعدما كانت الترجيحات تشير إلى إمكانية انعقادها في الأسبوع الأول من تشرين الثاني.
التشريع على المحك
لكن الأهم، أن انعقاد الجلسة لا يزال يتطلب تخطي عقبة مطلب «التيار الوطني الحر» و«القوات» في وضع قانون الانتخاب كبند أول على جدول أعمال الجلسة، وهو ما يتحفظ عليه بري حتى الآن، انطلاقاً من وجود نحو 17 مشروع قانون واقتراح قانون يتم التداول بها، كما أشار، وعدم وجود اتفاق على أي منها. لكن في المقابل، فقد أشار زهرا إلى أن المطلوب طرح ثلاثة مشاريع هي المحالة فعلاً إلى الهيئة العامة، أي مشروع القانون المحال من الحكومة (13 دائرة على أساس النسبية) والمشروع المقدم من «القوات» و «الاشتراكي» و«المستقبل» (68 مقعداً على أساس النظام الأكثري و60 مقعداً على أساس النظام النسبي) واقتراح المناصفة بين النظامين النسبي والأكثري المقدم من الرئيس بري. وفيما تؤكد مصادر في الهيئة أن حساسية قانون الانتخاب تمنع طرحه قبل الوصول إلى حد أدنى من التوافق بشأنه، يسلّم كثر أنه في ظل الجمود المسيطر على كل مفاصل الحكم، سيكون من المستحيل تسجيل خرق في مسألة قانون الانتخاب، وهي مسألة توازي بأهميتها، أو تزيد، الانتخابات الرئاسية.
وبالرغم من أن «المستقبل» يتفق مع وجهة نظر بري في مسألة التريث في طرح قانون الانتخاب، إلا أن ممانعته تنتهي عندما يتأكد أن بالإمكان تمرير مشروعه. وفي هذا السياق، تخشى مصادر في «8 آذار» من أن يؤدي طرح المشاريع على الهيئة العامة من دون اتفاق مسبق إلى تمكن «14 آذار» من تمرير قانونها، المرفوض تماماً من قبل كل مكونات «8 آذار».
وبعيداً عن النقاش في تفاصيل القانون الانتخابي، فقد أعلن زهرا من عين التنية موقفاً حاسماً لـ «القوات» بأن موقفها من حضور الجلسة يتوقف على إدراج قانون الانتخاب»، مشيراً إلى أن القوات «بالتفاهم المعلن مع التيار الوطني الحر، تصر على إدراج قانون الانتخابات في مطلع اي جلسة تشريعية ستعقد. وهو لذلك، وبالرغم من حضوره اجتماع هيئة المكتب، إلا أنه حيد نفسه عن النقاش في جدول الأعمال، بعدما أبلغ المجتمعين بقرار كتلته.
وهذا يعني أن اجتماع الثلاثاء المقبل سيكون مفصلياً، فإما تنضج الحلول التي يعمل على بلورتها في ما يتعلق بقانون الانتخاب أو أن الجلسة التشريعية ستكون مهددة. فإذا أصر بري على الدعوة للجلسة، فإن «القوات» و «التيار»، إذا لم يغير أحدهما موقفه، لن يشاركا في الجلسة. وهو ما يعني أن الجلسة التشريعية ستفتقد إلى الميثاقية، لغياب ثلاثة مكونات مسيحية عنها («الكتائب» أعلن مسبقاً أنه لن يشارك). وفي هذا السياق، ثمة من يراهن في «8 آذار» على موقف متمايز لـ «التيار الوطني الحر» قد يجعله يشارك في الجلسة، بعدما تحقق أحد مطالبه، أي إدراج قانون استعادة الجنسية على جدول أعمال الجلسة.
«الجنسية» يخترق «الضرورة»
وبانتظار الأسبوع المقبل، فقد نجح «القوات» و «التيار» في حل عقدة قانون «استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني». وفيما كان بري يعتبر أنه لا يمكن إدراج المشروع بسبب عدم انتهاء درسه في اللجان، تم التوصل إلى صيغة بموافقته، على ما تردد، تقضي بتقديم «التيار» و «القوات» للمشروع بصيغة اقتراح معجل مكرر. وبالفعل، فقد التقى صباح أمس نواب من الطرفين في مكتب النائب ابراهيم كنعان في المجلس النيابي، حيث وقع النائبان ألان عون وإيلي كيروز على الاقتراح نيابة عن كتلتيهما.
واستكمالاً لهذه الخطوة، تم التوافق في اجتماع الهيئة بشأن طرحه في الجلسة التشريعية، بالرغم من أن من أقره ومن وافق على إدراجه يعرف أنه لا يمت إلى «تشريع الضرورة» بصلة. ويشير أحد أعضاء الهيئة ساخراً إلى أنه من الأفضل وضعه في لائحة «الابتزاز السياسي» لا «لائحة الضرورة». لكن بغض النظر عن التحفظات التي لم تمنع الموافقة على طرحه في الجلسة التشريعية، فإن الملاحظات المتداولة بشأن القانون ترجح عدم إمكانية تمريره في المجلس، خاصة أنه من المعروف أن «حزب الله و «أمل» و «المستقبل» ليسوا متحمسين للمشروع، كل لأسبابه، وإن كانوا لا يمانعون في مسايرة حلفائهم.
«تشريع.. والنفايات في الشوارع؟»
وكان مكاري، قد أشار، بعد اجتماع هيئة المكتب، إلى أن «عملية تشريع الضرورة أصبحت أمراً ملحاً، لاننا اليوم أمام ضرورة التشريع». أضاف: نحن نواجه خطراً داهماً على مالية الدولة وعلى صورة لبنان في العالم، والأهم أن لقمة عيش المواطن مهددة بالعجز عن دفع الرواتب. وهذا الوقع يفرض على جميع الأفرقاء موقفا استثنائيا منعا من الانهيار.
وأوضح أنه «نظراً إلى كثرة المشاريع المنجزة، فقد قرر المكتب قسما منها، وبعد ورود مشاريع جديدة أرجئ الامر للاسبوع المقبل يوم الثلاثاء في 3 تشرين الثاني لاستكمال جدول الاعمال والانتهاء منه».
ورداً على سؤال حول عدم إدراج «سلسلة الرتب والرواتب» في جدول الأعمال، قال مكاري إنه «موضوع واسع ولا إمكان لاقرارها كلها. لذلك تقدمت باقتراح قانون زيادة غلاء المعيشة وفصلها عن السلسلة».
أما النائب انطوان زهرا، فقال: إذا حصل في الاسبوع المقبل مخرج لموضوع قانون الانتخابات في ضوء الاتصالات، نمشي بتشريع الضرورة. واريد ان اذكر انه عندما اعلنا الموافقة على تشريع الضرورة حددنا عناوين كبرى: إعادة انتاج السلطة ومصلحة الدولة العليا، وتكلمنا بالتفصيل عن قانون الانتخابات والموازنة التي هي سر وجود المجلس النيابي.
وحول إمكانية عقد الجلسة في غياب المكون المسيحي إذا قرر بري عقد الجلسة من دون طرح قانون الانتخاب، قال زهرا: «بالنسبة الينا اذا كنا نريد ان نسير بالديموقراطية التوافقية فلا نستطيع ان نتجاهل أحداً. واذا كنا نريد ان نعتمد الديموقراطية بالتصويت، فلا يجب ان نوفر اي موضوع الا ونطرحه على التصويت».
وتلاه النائب سيرج طورسركيسيان، مشيراً إلى أن «الجلسة النيابية تعطي نفساً للبلد بأن الجميع على توافق وهناك نوع من التشريع، وتعطي اجواء ايجابية. لكن لا أرى أي ضرورة لموضوع تشريع قانون استعادة الجنسية عندما يترك اللبناني البلد ويسافر».
ووجه طورسركيسيان صرخة لحل موضوع النفايات أولاً، سائلاً: هل أشرع والنفايات تقتل المواطنين؟ وبالنسبة الى قانون الانتخاب، من سيصوت اذا هاجر نصف البلد، او مرض
جدول أعمال «تشريع الضرورة»
اتفقت هيئة مكتب المجلس النيابي بالأغلبية على إدراج 19 مشروع واقتراح قانون على جدول أعمال الجلسة التشريعية المزمع عقدها، من بين لائحة بالقوانين المنجزة في اللجان كانت تضم 48 بنداً. علماً أنه من المتوقع أن تطرأ بعض الإضافات على الجدول، في اجتماع الاسبوع المقبل. وتتعلق مشاريع القوانين التي صنفت ضمن جدول «تشريع الضرورة» بـ:
– طلب الموافقة على إبرام تعديل إتفاقية تمويل برنامج التعاون عبر الحدود لدول منطقة البحر الأبيض المتوسط مع المجموعة الأوروبية ممثلة بمفوضية المجموعات الأوروبية.
– زيادة مساهمة الدولة اللبنانية في الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي.
– قوننة الإفادات التي حصل عليها الطلاب المرشحون للامتحانات الرسمية في العام 2014.
– طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لصالح وزارة المالية لاستكمال مشروع إصلاح إدارة المالية العامة.
– الموافقة على إبرام اتفاقية بين الجمهورية اللبنانية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لتنفيذ «مشروع طريق الكرك ـ رياق».
– الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشروع «تعزيز إمدادات المياه».
– الموافقة على إبرام اتفاقيّة «مشروع تعزيز إمدادات المياه» بين مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي للإنشاء والتعمير.
– الموافقة على الاتفاقية الإطارية بشأن نظام الضرائب والرسوم الجمركيّة المطبق من قبل البلد الشريك على المشاريع الممولة من قبل صندوق التنمية الأوروبي من الموازنة العامة للإتحاد الأوروبي.
– الموافقة على إبرام اتفاق إنشاء الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد بصفتها منظمة دولية.
– الموافقة على إبرام عقد تمويل بين الجمهورية اللبنانية والبنك الأوروبي للتثمير (مشروع أوتوسترادات لبنان المرحلة الثانية).
– الموافقة على الانضمام الى تعديل اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود.
– الإجازة للحكومة عقد نفقات من أجل تحقيق عتاد وبنى تحتيّة ملحة لصالح الجيش.
– فتح الاعتمادات الإضافية اللازمة لتسديد المبالغ المستعملة من سلف خزينة معطاة خلال العام 2012 وتغطية المبالغ المدفوعة كفوائد قروض وسندات خزينة خلال العام ذاته.
– زيادة مساهمة الدولة اللبنانية في رأسمال البنك الإسلامي للتنمية.
– الموافقة على إبرام تمويل بين الجمهورية اللبنانية والبنك الأوروبي للتثمير (كفاءة استخدام الطاقة والطاقات المتجددة في لبنان).
– طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع الإسكان.
– طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع استكمال منشآت الصرف الصحي في لبنان.
– فتح اعتماد إضافي لتغطية العجز في الرواتب والأجور وملحقاتها للإدارات ذات الموازنات الملحقة.
كما أدرج المجتمعون إقتراح القانون المتعلق بسلامة الغذاء على جدول أعمال الجلسة التشريعية.نصف اللبنانيين؟