يشهد لبنان حالياً سلسلة من الإتصالات والإجتماعات الكثيفة بين أكثر من جهة وفريق، لبحث مسألة الجلسة التشريعيّة لمجلس النوّاب التي حدّد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي موعدها يومي الخميس والجمعة المُقبلين. ومن المُرشّح أن تبقى هذه المحادثات مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة، منعاً لتمدّد الفراغ والشلل اللذين يُصيبان موقع رئاسة الجهمورية والسلطة التنفيذيّة على التوالي، إلى مجلس النوّاب، الأمر الذي قد يُشكّل ضربة قاضية لبنية الدولة ككل هذه المرّة. فهل ستنعقد الجلسة التشريعية التي طال إنتظارها؟ وهل ستكون ميثاقيّة؟ وهل ستشارك الأحزاب المسيحيّة الكبرى فيها؟ وكيف تتوزّع الخريطة السياسيّة بالنسبة إلى هذه الجلسة؟ أسئلة كثيرة مطروحة حملناها إلى مصدر سياسي مسيحيّ مُستقل أبدى توقّعه بأن تنعقد الجلسة بمن حضر في نهاية المطاف، حيث أنّ أغلبيّة سياسيّة وعدديّة في لبنان تعتبر أنّ ضرر عدم عودة المجلس النيابي إلى العمل، أقلّه جزئياً لتمرير بعض الأمور المالية والإقتصاديّة المُلحّة، أكبر من إستمرار سياسة التعطيل، بغض النظر عن الجهات التي ستُشارك في الجلسة وعن توزيعها السياسي والطائفي والمذهبي.
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ برّي إستعان بحليفه «حزب الله» لمحاولة إقناع «التيّار الوطني الحُرّ» بالمُشاركة، مُبدياً كل ليونة في ما خصّ مطالب «التيّار» بالنسبة إلى مشروعي إستعادة الجنسيّة وحُصول البلديّات على عائدات قطاع الهاتف الخلوي، والتعهّد بالعمل بجهد لتمريرهما في خلال الجلسة التشريعيّة وعدم الإكتفاء بعرضهما من باب رفع العتب. وفي الضفّة الأخرى، يجهد «تيار المُستقبل» لإقناع «القوات اللبنانيّة» بأنّ سياسة المُقاطعة لم تُنتج شيئاً، وبأنّ إفشال الجلسة التشريعيّة المُقبلة سيعود بنتائج مُدمّرة على الإستقرار المالي والإقتصادي والإجتماعي للبلاد، ما يعني تلقائياً إهتزاز الإستقرار الأمني للمُجتمع. وأضاف المصدر أنّه على الرغم من المواقف الرماديّة لتيّار المُستقبل من الجلسة حتى الساعة، فإنّ القرار مُتخذ بالحضور في نهاية المطاف، مع إمكان تسجيل بعض مواقف المُقاطعة الفرديّة من باب تسجيل «موقف تضامني» مع «القوّات» لحفظ ماء الوجه لا أكثر.
وبالنسبة إلى مبدأ «الميثاقيّة» في حال قاطعت كل من «الكتائب» و«القوات» و«التيّار العَوني» الجلسة التشريعيّة، أكّد المصدر نفسه أنّ العدد الإجمالي لنوّاب هذه الأحزاب الثلاثة مُجتمعة يبلغ نحو 30 نائباً، وبالتالي في حال عدم مُشاركتهم وإحتساب غياب النائب المتوفّي ميشال حلو، يبقى أكثر من نصف النوّاب المسيحيّين الإجمالي قادراً على الحُضور. وأشار المصدر أنّ برّي يتحصّن بموقف الزعيم الشمالي سليمان فرنجيّة المؤيّد للجلسة، ويأمل مُشاركة حزب «الطاشناق» الذي يرفع سقف مطالب أكثر إنخفاضاً من «التيار الوطني الحُرّ»، وهو يعمل على إستقطاب باقي النوّاب المسيحيّين عبر الوعود هنا والضُغوط هناك، لتكون الجلسة مُتوازنة إلى حدّ ما من حيث التوزيع الطائفي والمذهبي للنوّاب، ولوّ في ظلّ عدم التوازن الحزبي. وأضاف المصدر نفسه أنّ هذا «السيناريو» في حال حُصوله سيُشكّل ضربة قاسية جديدة للمسيحيّين، لأنّه يعني بكل بساطة تمرير الجلسة التشريعيّة على حساب وحدة الموقف المسيحي، وإستغلال الإنقسامات بين المسيحيّين!
ولاحظ المصــدر الســياسي نفسه أنّ الموقف من الجلــسة التــشريعيّة تجاوز الإنقسام السياسي العمودي السائد في لبنان، حيث لم تعد المــسألة مُرتبطة بموقف لقوى «8 آذار» أو لقوى «14 آذار»، حيث يوجد أفرقاء من الــطرفين أعلنوا سلفاً عزمهم على المُشاركة أو على المُقاطعة، ويُوجد أفرقاء آخرون من الطرفين أيضاً يدرسون الموقف لحسم قرارهم النهائي مُنتصف الأسبوع المقبل على أبعد تقدير.
وأضاف المصدر إذا كان هذا المشهد يُوحي بأنّه صحّي وسليم بالنسبة إلى البعض، فإنّه في المُقابل يكشف عن ضعف نُفوذ الأحزاب المسيحيّة مُقارنة بالأحزاب الإسلامية الكبرى، لجهة عدم قُدرة كل من «الكتائب» و«القوات» و«التيار الوطني الحُرّ» مُجتمعين على وقف مسار جلسة تشريعيّة، في مُقابل قُدرة «تيّار المستقبل» مُنفرداً، أو «حزب الله» و«حركة أمل» معاً، على وقف أيّ إجتماع أو جلسة، بحجّة فقدانها للميثاقيّة! وتابع ساخراً، وكأنّ «المُستقبل» و«حزب الله» و«أمل» بسمنة، و«الكتائب» و«القوّات» و«التيّار» بزيت!
وختم المصدر السياسي المسيحي المُستقل كلامه بالقول إنّ بورصة الجلسة التشريعيّة تتأرجح صُعوداً ونزولاً، وتُبذل جُهود كبيرة لعقدها ولتأمين أوسع مُشاركة فيها، مُعتبراً أنّ الخطر الأكبر يتمثّل في أن تنعقد من دون كبرى الأحزاب المسيحيّة، ليتمّ إثبات إمكان حُكم لبنان من دون رئيس جمهوريّة مسيحي، وإمكان التشريع من دون مُشاركة سياسيّة مسيحيّة فاعلة أيضاً!