Site icon IMLebanon

التشريع للوطن والجِدال للتمويه

 

يدور جدال سياسيّ وإعلاميّ يوميّ بين الأطراف السياسية التي تطرح أهمّية عقد المجلس النيابي جلسات تشريع الضرورة في ظلّ غياب رئيس للجمهورية، وبين الأطراف التي تطرح عدم جواز ذلك قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويتقاسم النقاش حول التشريع المشهدية الحوارية الوطنية مع النقاش حول الدستور ومواده، ويُدعّم كل طرف حججه بفتاوى ومواقف لمراجع دستورية وسياسية، منها التاريخية ومنها المرحلية. أمّا القصد المُبيّت مِمّن أثار هذه الجدالات فهو حرف الأنظار عن المعركة الرئاسية وتخفيف الضغط على المعطّلين لها، حتى يُخيّل للحريصين على الوطن والراغبين في الخروج بأسرع وقت من الفراغ الرئاسي بأنّ من يسعى لدفع المشهدية الرئاسية إلى الظلام، من خلال التركيز على هذا الجدال العقيم، غير مُدرك لخطورة استمرار الفراغ الرئاسي، وكأنّه يعيش حالة إنكار وتغرّب عن الوطن، وفاته بأنّ عدم الإستقرار الدستوري والتجاوزات التي تُرتكب بحقّ الدستور ستؤدّي الى زوال الدولة، ليتمّ مستقبلاً تحميله مسؤولية إقترافه الخطيئة الكبيرة بالتلهّي بجدالٍ، في حين أنّ البلاد مُعرّضة للتداعي بشكل كامل، أو أنّ هذا البعض المستخفّ بتطبيق مندرجات الدستور قد خسر مكانته الوطنية وفقد إمكانيته بالتأثير في المسار السياسي وأصبح قراره مصادراً واستقلاليته مفقودة كلّياً.

 

الوطن ينهار والوجود يُهدّد والشعب يُهاجر، والباقي منه على أرض الوطن يفقد الأمل بالحياة والثقة بالإنتظام العام وبالقوانين، وبدأ التخلّي عن الضوابط الأخلاقية التي تربّى عليها وعن الضمير الحيّ الذي لطالما تمسّك به، وفي الوقت ذاته هناك أطراف سياسية تدفع بالبلاد وبالمؤسسات لحوارات غير مفيدة وغير مناسبة للوضع الحالي، مستعملةً حججاً عدّة من أجل محاولاتها الخبيثة، وأهمّها الحاجة الملحّة لتلبية مطالب الناس المعيشية، ضاربةً عرض الحائط بالطموح الحقيقي للشعب اللبناني الذي تمثّل دائماً بمسعاه للعيش باحترام في كنف وطنه والتمتّع بحقوقه المواطنية في وطنٍ آمن به ودافع عنه وأحبّه وأعطاه الكثير.

 

فإن كان هدف المُشرّع بالأساس من خلال التشريع حماية المواطنية، فهذا يعني أنّ تشريع الضرورة الهادف لاستمرار الحالة الشاذّة المُسيطرة على لبنان، كفر وتجاوز للتشريع الحقيقي، ويعني أنّ ما يُطرح من تشريع ليس إلا خداعاً وتثبيتاً للرذيلة وللخطيئة. وإن كان التشريع بالأساس وُضِعَ للصالح العام، فهذا يعني أنّ التشريع يأتي لضمان احترام الدستور وليس للإحتيال عليه، وما يؤكّد أنّ التشريع الذي يُسوّق له اليوم، والحوار الدستوري الذي يُفتح اليوم ليس إلا محاولة لحرف الأنظار عن الإنتخابات الرئاسية، وليس للضرورة، بل لضرب الحلول الحقيقية للأزمة اللبنانية والمحاولات الصادقة لإنقاذ شعب لبنان من مآسيه. إنّ الإلتزام بانتخاب رئيس هو الأولوية التي لا تؤجّل تحت أي مسعى آخر، سواء أكان تشريعياً أم دستورياً، إذ إنّ الدستور وُضِعَ للإلتزام ببنوده ونصوصه وتنفيذها حرفياً، من دون اللعب عليها من أجل المصلحة الخاصة والحسابات الفئوية.

 

يحاول بعض المواقع السلطوية الحاكمة إيهام بعض السياسيين المستقلّين والنواب الجدد وبعض فئات الشعب المخدوع بأنّ الفراغ التشريعي سيؤدّي الى خراب المعمورة، والى فقدان مقوّمات الحياة، والى تعطيل خدمات الدولة ومؤسساتها، وخاصة الكهرباء منها، علماً أن ما يُنبّهون منه قد أصبح واقعاً مُعاشاً منذ فترة من الزمن، وأن الإستمرار به مضمون بغياب احترام الدستور وأولى خطواته الآن هي انتخاب رئيس للجمهورية. إن تعطيل الديمقراطية والتحايل على الدستور وفرض شروط الدويلة على المعركة الإنتخابية هي التي أوصلتنا الى الفراغ التشريعي، ومحاولة فريق أصحاب “الأوراق البيض” لتمرير طرح “تشريع الضرورة” تُعدّ تمويهاً لخطيئةٍ يُمارسها هذا الفريق بحقّ الوطن بفتحه وتشريع استحقاقاته أمام التدخّلات الخارجية والشروط الإقليمية. إن تشريع الضرورة الذي يرمونه للمأزومين من النواب والسياسيين وللقطاعات المنهارة ليس إلا مؤامرةً خبيثة ضدّ الرئاسة اللبنانية ومُخطّطاً جهنّمياً للدفع الى تسوياتٍ هدّامة بانت تفاصيلها واضحةً بقبولٍ من فريق السلطة والممانعة لاتفاقيات اقتصادية بحرية مُتْبعة بزياراتٍ خارجية استعطائية.

 

أدخلوا البلاد بفراغٍ رئاسي بعدما سبّبوا بفراغه المالي والإقتصادي والسياسي، وكل ذلك بهدف إبقائه رهينةً لمشاريعهم الإقليمية والشخصية، وما الحوارات التشريعية والدستورية إلا السّلاح المُستخدم من قبلهم لحجز البلد الرهينة في الداخل المُعطّل، والحاجز المانع لنجاح المبادرات الصديقة لفكّ أسره. والسؤال المطروح الآن، هل من لا ينتمي إلى فريق “الأوراق البيض”، من المخدوعين والزاحطين إلى الحوار الدستوري والتشريعي، يعلمون أنّ بتعاونهم مع فريق محور المُمانعة يعطون دفعاً لتفريغ الدولة من رئاستها نزولاً الى رئاساتٍ أخرى ووصولاً إلى إبقائها دويلة لا دولة؟؟؟