الكباش القائم يرفع منسوب المواجهة ويعمّق الانقسام
كان من الطبيعي أن يتخذ القرار بإلغاء الجلسة النيابية التشريعية التي كانت مقررة الخميس المقبل، بعد موقف تكتل «لبنان القوي» وقبله نواب المعارضة، بمقاطعتها، ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى صرف النظر عنها، بانتظار مزيد من المشاورات، وإن كانت المعطيات لا توحي بإمكانية حصول أي توافق على عقد جلسات تشريعية، طالما أن غالبية المكونات النيابية تؤكد أن البرلمان يعتبر هيئة ناخبة، وظيفتها الأساسية انتخاب رئيس للجمهورية، وليس التشريع في أي مجال. وبذلك نجح النواب المسيحيون، ومعهم عدد كبير من النواب المعارضين، على إرغام الرئيس بري على إلغاء الجلسة. وهو أمر سيزيد من حدّة الانقسام في البلد، ويرفع من منسوب المواجهة بين المكونات السياسية والنيابية.
وقد أكدت مصادر نيابية في «العوني»، أن «لا شيء طارئاً يستدعي عقد جلسة لمجلس النواب بحجة تشريع الضرورة. وبالتالي فإن نواب تكتل أخذوا القرار بعدم الجلسة، لأن الأهم انتخاب رئيس للجمهورية، لتقصير أمد الشغور الرئاسي الذي يهدّد البلد بعواقب وخيمة». وأشارت إلى أنه «وكما أن جلسات حكومة تصريف الأعمال، تعتبر غير دستورية ولا يجب أن تعقد بسبب الشغور، فكذلك لا يمكن للمجلس النيابي أن يعقد جلسات تشريعية، لأي سبب كان. وهو ما تم إبلاغه إلى المعنيين، بصرف النظر عن مواقف الكتل النيابية الأخرى»، مشددة على أن «الإلغاء كان الخيار الصائب، في ظل الاعتراض الواسع على قيام مجلس النواب بوظيفة ليست من اختصاصه في ظل الشغور الرئاسي القائم، طالما أن مهمته الأساسية هي انتخاب رئيس للجمهورية، وليس القيام بأي شيء آخر».
وقد دعت أوساط معارضة نواب «العوني» و«الثنائي»، إلى عدم الاقتراع بالورقة البيضاء، وإلى اتخاذ موقف مسؤول، باعتماد التسمية، وليس بالهروب إلى الأمام بالورقة البيضاء بحجة التوافق انتظار حصول تسوية على غرار التسويات السابقة، للخروج من هذا المأزق، مشددة على أن الظروف قد تغيّرت، ولم يعد بالإمكان لما يسمى بفريق «الممانعة»، أن يفرض على اللبنانيين الرئيس الذي يريده، كما فعل «حزب الله» عندما جاء بالرئيس ميشال عون، فكانت النتيجة خراباً وويلات، على مدى السنوات الست الماضية التي أذاقت اللبنانيين كل أصناف العذاب والمآسي. ولهذا يجب أن يكون للبنان رئيس سيادي، يعيد إصلاح ما خرّبه العهد السابق، والعمل على إعادة الجسور مع العالم العربي والمجتمع الدولي، لإخراج لبنان من مأزقه.
وكذلك، دعت الأوساط الرئيس بري إلى تحديد موعد جديد لانتخاب رئيس للجمهورية، مع الاستمرار في عقد جلسات متتالية وعدم كسر النصاب، حتى انتخاب الرئيس العتيد، استناداً إلى ما يقوله الدستور. إذ لا يعقل أن يستمر هذا التسويف حتى حصول توافق على الرئيس، في وقت ينص الدستور على الانتخاب، وليس على التوافق. فالبلد لا يحتمل أن يبقى هذا السيناريو الذي يهدد بمزيد من الانهيارات على مختلف الأصعدة، طالما أن هناك فريقاً لا تهمّه مصلحة الناس، بقدر ما يهمّه أن يمرر الوقت، حتى يتمكن من إيصال مرشحه إلى قصر بعبدا، كما فعل حزب الله عندما عطّل الانتخابات لما يقارب السنتين ونصف السنة، حتى تمكّن من فرض الرئيس عون على اللبنانيين بالقوة.
في الموازاة، كانت لافتة جولة سفراء دول اجتماع باريس الخماسي، على الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لإطلاعهما على نتائج ما تقرر في هذا الاجتماع الذي لم يصدر أي بيان عنه، في حين علم أنه سيكون للسفراء تحرك إضافي على المرجعيات السياسية والروحية، من أجل وضعها في أجواء ما خلص إليه هذا الاجتماع، لناحية الحرص على دعم لبنان، بغية إخراجه من مأزقه، لكن بعد أن يبادر اللبنانيون إلى التوافق من أجل انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، وهو ما أكد عليه المجتمعون.