معركة رئاسة الجمهوريّة تجمع الأضداد في التعطيل .. ومخاوف من التصعيد
الموقف الملحق الذي قرره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل باعلانه مقاطعة الجلسة التشريعية ، شكل انقلابا على الاجواء والموقف الذي كان قطع وعدا بشأنه في هذا الموضوع قبل حوالى اسبوع .
منذ ان بدأ التشاور في شأن عقد جلسة تشريعية ، حاول باسيل امساك العصا من وسطها ، فاوحى لبعض نواب كتلته ، ان التيار لا يمانع انعقدها لبحث واقرار جدول اعمال مهم ومحدود ، واوحى لآخرين بان القرار في هذا الشأن مؤجل الى حين بحث الجدول في اجتماع هيئة مكتب المجلس النيابي، باعتبار انها الجهة المخولة في شان اقرار الجدول .
وفي الحالتين، لم يذهب باسيل الى حد اعلان المقاطعة ، وبقي على موقفه العلني الضبابي حتى بعد ظهر اول من امس، فقرر ان ” يبق البحصة” سلبا في وجه الجلسة التشريعية، ملتحقا بالاجواء المسيحية الاخرى، لا سيما بعد عظة يوم الاحد للبطريرك الماروني بشارة الراعي واعلانه معارضته لانعقاد هذه الجلسة .
ووفقا لمصادر نيابية، كان باسيل قد اعطى وعدا باستعداد التيار المشاركة في الجلسة ، لكنه ربط هذه الموافقة المبدئية بحجم وشكل جدول اعمالها . وترافق ذلك مع تسريبات لمصادر في التيار، بان هذا الموقف ليس الاول من نوعه في ظل الفراغ الرئاسي ، فقد سبق ان اعتمدته جهات وكتل نيابية مسيحية تمارس اليوم اسلوب المزايدة السياسية والشعبوية . لكن سرعان ما بدأ يتراجع هذا الجو من قبل التيار تدريجا ، مع اشتداد الحملة الاعلامية والسياسية التي قادتها “القوات اللبنانية” بالتعاون مع كتل مسيحية صغيرة ونواب “التغيير” ضد الجلسة .
وجاءت عظة البطريرك الراعي يوم الاحد لتشكل نقطة حاسمة لانعطافة باسيل السريعة وانقلابه في وجه الجلسة التشريعية ، فوجد انها فرصة مؤاتية له للقيام بدور بيضة القبان في حسم مصير هذه الجلسة ، ولحظة مناسبة لاعلان الولاء لموقف بكركي في هذا الشأن ، خصوصا انه يحرص اليوم اكثر من اي وقت مضى على مراعاة والتجاوب مع مواقف البطريرك الراعي، الذي يعول على دوره في رعاية حوار مسيحي – مسيحي حول الاستحقاق الرئاسي .
قبل انقلاب باسيل ، ووفقا لمصادر نيابية ، كان الخلاف مع “التيار الوطني الحر” يدور حول جدول الاعمال، وليس على مبدأ انعقاد الجلسة التشريعية . وفي ظل هذه الاجواء دعا الرئيس نبيه بري هيئة مكتب المجلس الى الاجتماع وفق الاصول، لدرس واقرار جدول الاعمال الذي تضمنت مسودته ٨٢ مشروع واقتراح قانون .
وبعد الانقلاب، ترجم عضو مكتب المجلس النائب آلان عون موقف التيار المستجد ، وركز في مداخلته خلال الاجتماع امس، على موضوع انعقاد الجلسة او عدم انعقادها، من دون الدخول في تفاصيل جدول الاعمال ، وتجاوز الجو السابق الذي اوحى به التيار ، مشيرا الى عدم الموافقة على المشاركة في الجلسة .
وبرر هذا الموقف بانه ينسجم مع موقف التيار من جلسات الحكومة ، ومع تأكيده على اولوية انتخاب رئيس الجمهورية دون اي شيء آخر . ولفت ايضا اشارته الى ان للتيار تحفظات وملاحظات عديدة على صيغة قانون “الكابيتال كونترول” المدرج كبند اول في الجدول ، فقيل له ان الصيغة مطروحة للنقاش في الهيئة العامة وكل شيء قابل للتعديل .
اما مداخلة عضو تكتل “لبنان القوي” النائب اغوب بقرادونيان فكانت اكثر مرونة ، حيث ركز على اهمية التوافق في شان الجلسة .
وكان معلوما ان هيئة مكتب المجلس ، بعد انقلاب باسيل، ستواجه صعوبات في حسم الموقف
امس ، وان الخيار الافضل هو في اعطاء المزيد من الوقت للتداول والتشاور قبل العودة الى اجتماع آخر يوم الاثنين المقبل .
ويقول احد اعضاء هيئة مكتب المجلس ” سيكون هناك المزيد من التشاور لانجاح الجلسة التشريعية ، خصوصا ان هناك العديد من مشاريع واقتراحات القوانين المهمة والضرورية ، عدا ان الدخول في لعبة التعطيل سيؤدي الى تداعيات خطرة على كل الصعد”. ويضيف ” لا نستطيع القول ان الجلسة ارجئت او الغيت، لان الرئيس بري لم يدع الى جلسة بعد ، لكن الايام القليلة المقبلة ستكون مهمة قبل حسم هذا الموضوع بعد اجتماع مكتب المجلس الاثنين المقبل “.
هل كان باسيل يعد لاعلان انقلابه قبل ساعات من اجتماع مكتب المجلس ؟ ام انه عمد الى هذا الموقف في اللحظة الاخيرة ؟
المؤشرات التي سبقت قراره تدل على ان تقصّد ترك هامش معين لحسم امره من هذا الموضوع ، آخذا بعين الاعتبار حساباته المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي بالدرجة الاولى .
ووفقا لمصادر سياسية، فان باسيل اخذ بعين الاعتبار العناصر الآتية :
١- السبب الابرز في مسارعة باسيل الى استباق اجتماع مكتب المجلس باعلان مقاطعة الجلسة التشريعية، هو موقف البطريرك الراعي الرافض لانعقادها .
٢- نجاح “القوات اللبنانية” في استثمار تجميع موقف نيابي معارض للجلسة، واعلان التعبئة المسيحية ضد الجلسة .
٣- الحرص على اظهار الانسجام بين موقف التيار المعارض لانعقاد الحكومة، مع موقف مماثل من الجلسة التشريعية .
٤- الالتحاق بالحملة الشعبوية الموجهة للشارع المسيحي بان لا شيء قبل انتخاب رئيس الجمهورية.
ما هي النتائج المترتبة عن الموجة التصعيدية في وجه الجلسة التشريعية ؟ يقول مصدر نيابي بارز ان الخلاف على هذه الجلسة ليس خلافا دستوريا بقدر ما هو خلاف سياسي، يتقاطع مع اجواء المعركة حول رئاسة الجمهورية ، فالمواد الدستورية واضحة ولا تمنع او تحول دون ممارسة المجلس دوره التشريعي خارج التئامه لانتخاب رئيس للجمهورية ، اي خارج جلسة الانتخاب . لذلك فان مقاطعة الجلسة التشريعية هي مقاطعة سياسية بامتياز .
ويلاحظ ان معركة رئاسة الجمهورية وحساباتها جمعت الاضداد في التقاطع عند توسيع التعطيل البلاد . ويخشى من ان تذهب البلاد في الايام المقبلة الى مزيد من التسخين والتصعيد ، لا سيما ان هناك مؤشرات بدأت تظهر في الايام الاخيرة تدل على هذا التصعيد على كل المستويات والصعد السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية .