لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية والشعب فيه هو مصدر كل السلطات… هذا ما جاء في مقدمة الدستور التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ منه.
لمجلس النواب في الأنظمة البرلمانية وظيفتان رئيسيتان: مراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها عند الإقتضاء جماعة او افرادا. والوظيفة الثانية هي سن القوانين.
تولد الحكومة من بعد ان يكون النواب قد لبوا دعوة رئيس الجمهورية الى ما يسمى «الإستشارات النيابية الملزمة» لتسمية شخصية نيابية او غير نيابية لتولي رئاسة الحكومة.
لا تستطيع الحكومة مباشرة عملها في السلطة الإجرائية الا بعد ان تمثل امام مجلس النواب الذي يناقشها في بيانها الوزاري ويمنحها او لا يمنحها الثقة على اساسه. يستمر المجلس في مراقبة الحكومة طيلة فترة عملها وله ان يحجب عنها او عن بعض اعضائها الثقة.
اما الوظيفة الثانية لمجلس النواب والتي لا تقل اهمية عن الأولى هي التشريع او سن القوانين.
لا يستطيع مجلس النواب ان يمارس وظيفة التشريع الا خلال دور الإنعقاد التشريعي العادي او دور الإنعقاد التشريعي الإستثنائي على ما نص عليه الدستور.
ينعقد مجلس النواب في عقدين تشريعيين عاديين: الأول يبدأ من يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار. والعقد الثاني يبتدىء من يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول ويخصص جلساته للبحث بالموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر ويدوم مدة العقد الى آخر السنة.
ان افتتاح العقود التشريعية العادية يتم حكما في المواعيد التي حددها الدستور… واذا اضطر الأمر لدورات استثنائية فقد سمح الدستور لرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة (وليس مع الحكومة) ان يدعو مجلس النواب الى عقد دورات تشريعية استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها وبرنامجها واختتامها. ويحق لرئيس الجمهورية ان يدعو وحده المجلس الى عقد دورة استثنائية اذا طلبت منه ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع اعضاء مجلس النواب.
ان مشاريع القوانين التي يحق لمجلس النواب ان يتصدى لها ويقرر بشأنها هي على نوعين: مشاريع قوانين دستورية ومشاريع قوانين عادية.
ان نصاب افتتاح الجلسة المخصصة للبحث بمشروع القانون الدستوري وكذلك نصاب التصويت على هذا المشروع هو ثلثا عدد الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانونا.
اما نصاب افتتاح الجلسة المخصصة للقوانين العادية سواء كانت تلك الواردة من الحكومة او من النواب انفسهم، كذلك نصاب التصويت على هذه القوانين هو الأغلبية المطلقة.
بيد ان المادة 31 من الدستور اقامت «صمتا تشريعيا» عندما منعت على مجلس النواب ان يشرع اذا التأم في غيرالمواعيد القانونية واعتبرت ان كل اجتماع على هذه الصورة باطل حكما ومخالف للقانون. وهذا الأمر ينسحب على ما يمكن ان يكون قد صدر من قوانين خلال هذا الإجتماع.
كذلك فانه يستفاد من نص المادة 32 من الدستور ان مجلس النواب لا يستطيع التشريع اثناء دور الإنعقاد التشريعي الثاني الذي يبتدىء من يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول والذي تدوم مدته حتى آخر السنة ويكون عمل المجلس محصورا بالبحث بالموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر.
من جهة ثالثة قررت المادة 75 من الدستور ان مجلس النواب الملتئم لإنتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية وعليه الشروع فورا في انتخاب رئيس للدولة دون مناقشة او اي عمل آخر.
يستفاد من هذه النصوص الدستورية ان الدستور فرض على مجلس النواب «صمتا تشريعيا» ومنع عليه التشريع في ثلاث حالات: الحالة الأولى هي حالة التشريع خارج الدورات التشريعية عادية كانت او استثنائية. الحالة الثانية فهي حالة مناقشة الموازنة العامة في الدور التشريعي الثاني. والحالة الثالثة والأخيرة هي حالة تحوُّل مجلس النواب الى هيئة انتخابية من أجل انتخاب رئيس للجمهورية.
هذا في الدستور،أما في الواقع فالأمر بخلاف ذلك. لماذا؟.
لقد اتفق المجتمعون في مؤتمر الطائف على رزمة اصلاحات دستورية منها إعطاء الحق بتفسير الدستور الى المجلس الدستوري لكن هذا البند الإصلاحي لم يرد ذكره في متن الدستور،وبدلا من ذلك صدر قانون حصر حق تفسير الدستور بمجلس النواب.
بمقتضى هذا القانون صار مجلس النواب «سيد نفسه» وراح يفسر المواد الدستورية بشكل مغاير لروح التشريع الدستوري. ولهذا اعتبر مجلس النواب مثلا ان مهلة الشهرين لإنتخاب رئيس للجمهورية مسموح التشريع خلالها ما عدا اليوم المعين لإجراء العملية الإنتخابية. كما صار تقليدا ان لا تصدر الموازنة في موعدها الدستوري وأن يتم التشريع خلال فترة المناقشة فيها…
مما لا شك فيه ان هذه الأوضاع غير دستورية لأنها تخالف ما قرره الدستور لجهة وجود حالات «صمت تشريعي»، ما يجعلنا نتطلع الى اليوم الذي يصبح فيه تفسير الدستور من صلاحية المجلس الدستوري.
* مدعي عام التمييز سابقاً