كما كان متوقعاً، خرجت نتائج انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى التي جرت أمس في دائرة طرابلس وأقضية المنية ــ الضنية والكورة وزغرتا والبترون، بتأكيد توازن سياسي كانت قد أرسته الانتخابات النيابية الماضية، التي رسمت معالم تعدّدية سياسية واضحة داخل الطائفة السنية في أكبر معقل لها في لبنان.
مقالات مرتبطة
انتخابات المجلس الشرعي: هدف في مرمى السنيورة في بيروت آمال خليل
هذا التوازن ترجم مجدّداً في انتخابات أمس لاختيار 7 أعضاء من أصل 24 عضواً يتشكل منهم المجلس الشرعي، موزعين على مختلف المناطق اللبنانية، إذ فازت لائحة تيار المستقبل بثلاثة أعضاء، ولائحة تحالف الرئيس نجيب ميقاتي والنائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد بثلاثة أعضاء، إضافة إلى فوز مرشح مقرّب من النائب السابق محمد الصفدي.
وكشفت النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في مقر دار الإفتاء في طرابلس وشارك فيها 137 ناخباً من أصل 146، عن فوز ثلاثة من لائحة المستقبل هم الدكتور بلال بركة (67 صوتاً)، رئيس بلدية طاران – الضنية أسامة طراد (60 صوتاً)، الشيخ فايز سيف (59 صوتاً)؛ مقابل فوز ثلاثة من لائحة ميقاتي – كرامي والصمد هم الدكتور عبد الإله ميقاتي (76 صوتاً)، الدكتور أحمد الأمين (60 صوتاً) والشيخ أمير رعد (53 صوتاً)، بينما نال الدكتور ربيع دندشي المقرّب من الصفدي (54 صوتاً).
وكان واضحاً منذ البداية أن أحداً لن يستطيع الاستئثار بمقاعد المجلس الشرعي في هذه الدائرة بمفرده، لا المستقبل ولا ميقاتي وحلفاؤه، ما دفع الطرفين إلى تشكيل لائحتين غير مكتملتين في نهاية المطاف، بعد فشلهما في التوصل إلى تشكيل لائحة توافقية، غير أنهما حققا في انتخابات المجلس الملّي للطائفة ما كانا يصبوان إليه.
فتيار المستقبل حسّن من وضعيته، بعدما كان قد فاز بمقعدين فقط في انتخابات عام 2015، أحدهما في الضنية والآخر في المنية، ولم يفز عامها بأي مقعد في طرابلس. لكنه استطاع هذه المرة، بعد تثبيت حضوره في المنية والضنية بمقعدين (سيف وطراد)، الحصول على مقعد ثالث في المدينة (بركة) على حساب المستقلين هذه المرة، الذين خسروا مقعداً كانوا قد فازوا به قبل 4 سنوات.
ورغم أن دندشي لم يكن في عداد لائحة المستقبل لدى إعلانها، فإن إيعازاً أعطي للقاعدة الزرقاء من أجل التصويت له، بهدف احتواء «زعل» الصفدي الذي أصرّ على دعم مرشحه حتى النهاية، وتحقق له ما أراد.
في المقابل، حقق ميقاتي وكرامي والصمد أهدافهم بتثبيت حضورهم كثقل سياسي له وزنه داخل الطائفة السنّية، مؤكدين أن الانتخابات النيابية التي كسرت احتكار تيار المستقبل لم تكن إنجازاً عابراً، بل كانت تأكيداً لتحوّل عميق.
فميقاتي، ورغم خسارة أحد مرشحيه عبد الرزاق قرحاني، مسؤول القطاع الديني في تيار العزم، فإن احتلال مرشحه الآخر، عبد الإله ميقاتي، المشرف العام على جمعية العزم والسعادة المرتبة الأولى بين الفائزين، جعله يحافظ على فوز كان حققه قبل أربع سنوات وتصدر به لائحة الفائزين، وهو أمر يعني الكثير معنوياً لميقاتي، لأنه يأتي استكمالاً لتصدّره لائحة الفائزين في الإنتخابات النيابية بطرابلس العام الماضي.
احتل مرشّح ميقاتي المرتبة الأولى بين الفائزين، فيما خسر مرشّحه الآخر
أما كرامي الذي ثبّت حضوره بفوز مرشحه أحمد الأمين، فاغتنم المناسبة ليُعبّر عن أمله أن «نستكمل تباعاً كسر الاحتكار الذي عاشته هذه الطائفة لعقود، وأن تعود الأمور إلى نصابها»، معتبراً أن ذلك «يوجب علينا أن نبدأ بالإعداد لانتخاب مفتي طرابلس والشمال، باعتبار أن لا مبرر لعدم حصول هذه الانتخابات، ولا مبرر لاعتماد التعيين»، في إشارة إلى المفتي الشيخ مالك الشعار الذي تنتهي ولايته أواخر هذا العام، والذي تسود قطيعة تامة العلاقة معه.
بدوره، فقد ضرب الصمد عصفورين بحجر واحد؛ الأول تثبيت نفسه مرجعية، والثاني سعيه للحفاظ على «الإنجاز» الذي تحقق قبل أربع سنوات بفوز ثلاثة مرشحين من قضاء المنية ــ الضنية في المجلس الشرعي، اثنان من الضنية وواحد من المنية. وهو عقد لهذه الغاية سلسلة لقاءات وأجرى العديد من الاتصالات، حتى مع ناخبين ليسوا مؤيدين له، ترجمت في النهاية ترسيخ النتيجة السابقة.
وإذا كان المستقلون هم الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، بحيث لم يستطيعوا إيصال أحدهم إلى المجلس الشرعي، فإن «الأقليات السنّية» في أقضية الكورة وزغرتا والبترون لم تتمثّل أيضاً، ما فتح باب النقاش لتثبيت حصتها وحضورها بشكل قانوني في أي مجلس شرعي مقبل، بعد زيادة وتعديل أعضاء الهيئة الناخبة، وهي تعديلات بدأ كثيرون بطرحها والمطالبة بها أمس فور صدور النتائج.