IMLebanon

الدولة القوية ركيزتها المؤسسات الشرعية والديمقراطية

 

 

تكتسب دراسة الأنظمة السياسية في أي بلد الأهمية الخاصة، باعتبار أنّ هذه المسألة تشكّل في حقيقة الأمر إطلالة على البُنية العامة في البلد المنوي دراسة أوضاعه العامة. وأي دراسة مفصّلة من هذا النوع بإمكانها المُساعدة في الوصول إلى حقائق موضوعية ومِهنيّة عدّة، وفي فهم وإدراك ظواهر العمل والنهج السياسي المُتّبعين، التي يمكن بواسطتهما التعرُّف على تركيبة وآلية هذا النظام وأدائه، ومن ثـمّ التعرُّف على كل العوامل، سواء أكانت إيجابية أو سلبية، التي تؤثِّرْ علية وحتى الفاعلة فيه والتي تُقرِّرْ السياسة العامة.

 

إنّ العلم السياسي يعتبر أنّ أي نظام سياسي في أي بلد، يتعرّض دائمًا وبصورة متواصلة لتغيير ما أو تعديل ما في النُظُم السياسية التي تتحكّم به وتحكُم مسيرته وحركته وآليته. فهذا الأمر يدعو إلى إستحداث القوانين الجديدة التي تُنشئ واقعًا موجودًا … وفي هذا الإطار، يلحظ العلم السياسي دراسة وتحليل ما يحصل من تغييرات وتطورات ومنظومات على أغلب المنظومات القديمة والجديدة، وربطها ببعضها البعض، بعد تأصيلها سياسيًا وقانونيًا وحتى تاريخيًا، لمعرفة أسباب وجودها ومبرراتها.

 

إنّ أي مجموعة بشرية متحضِّرة تعيش في مجتمع منظّم يُسمّى «الدولة»، حيث يتمتّع كل فرد من أفراد هذه الدولة في مجتمع ديمقراطي يُتيح له العمل قانونيًا بالطرق الإنسانية المألوفة. وهذا الفرد عمليًا يُساهم في تقرير مصيره وحقوقه وحقوق جيرانه وواجباتهم، وفي إختيار حكّامه وحكاّم جيرانه، ويُساهم أيضًا في تحديد السلطات التي يُمارسها هؤلاء الحكّام المنتخبون، وفقًا للأصول الديمقراطية المتّبعة. ومن وظيفة العلوم السياسية أن تكْشُف عن المبادئ الواجب إتباعها في الأمور التي تخصّ المصلحة العامة، وأن تدرس تفصيليًا كيفية عمل الأنظمة أو الحكومات، من أجل إظهار ما هو صالح وما هو فاسد أو غير فعّال، وأن تقترح تحسينات على المنظومات السياسية المُتّبعة… إنّ معطيات هذه العلوم ونتائجها قد تكون في كل الأحيان ذات فائدة عملية واسعة لواضعي الدساتير والقوانين والهيئة التشريعية والتنفيذية وللقضاة، الذين يحتاجون إلى نماذج ومعايير يطبّقونها على كل المواقف التي تطرأ، وبالتالي فإنّ لها فائدة عمليّة واسعة للأفراد الذين يحاولون فهم الدول التي يعيشون فيها.

 

إنّ منهج أي عالم سياسي يحتوي بالتأكيد على مقررات في النظريات السياسية والقوانين العامة وفي الإدارة، كما أنّه يحتوي على بعض المواضيع المتخصّصة في العلوم السياسية. فالنظريات السياسية تعالج بشكل منطقي وموضوعي جميع المذاهب السياسية التي تتعلّق بنشأة الدولة شكلاً وترتيبًا، وفي أغلبيتها مبني على ملاحظات تجريبية للظواهر السياسية. أما القوانين العامة فهي عمليًا تعالج تنظيم السلطات والقيود الموضوعة للسلطة الحكومية وسلطات وواجب المراكز الحكومية والموظفين الحكوميين وإلتزامات دولة تجاه دولة أخرى. وهذا المجال من الإختصاص يستدعي تضييق الإختصاص، بحيث تُعطى مقررات منفصلة في كل فرع من القوانين: الدستورية – الإدارية – الدولية. أما لناحية الإدارة العامة، فإنّ عند دراستها وتحليلها يتجّه الإنتباه إلى الوسائل والطرق المستعملة في الإدارة الفعلية لشؤون الدولة من قِبل أجهزة الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية.

 

من واجبات أي سياسي أو متعاطٍ في الشأن العام، وحتى أي مراقب، أنْ يدرس علم السياسة، لأنّه حتمًا بحاجة إلى ثورة فكرية منهجية في نظرته للسياسة وفي ممارسته لها. والثورة الحقيقية هي ثورة منهجية، وهي منطقيًا ثورة العقل المرتاب في مسلمّاته الخاطئة، لأنّه في حال أُحْسِنَ إستعمال العقل والمنطق، يستطيع أي سياسي أن يكون المحرِّرْ الأعظم للإنسانية. وعلى كل مرجع سياسي أن يُراجع المُسلّمات السياسية مراجعة منهجية مستمرّة، منطلقًا أولاً من الواقع الملموس والمحسوس، ومتدرّجًا منه تدرّجًا هادئًا إلى أفكار جديدة. وعلم السياسة هو علم المراجعة المنهجية المستمرّة أو ما يُعرف بالعلم النقدي المنهجي الدائم للمسلمّات والأحوال والأنظمة السياسية.

 

إنّ مواطن الخطأ في النظرة السياسية هي إعتبارها نشاطًا سلطويًا محوره الحاكم. أما النظرة الصحيحة إليها هي أنّها نشاط إنساني محوره الإنسان، وعلاقة الحاكم بالمحكوم هي الصفة المميزة للنشاط السياسي عن غيره من النشاطات الإنسانية، وحيث لا تكون هذه العلاقة لا تكون سياسة ولا تكون دولة ولا يكون علم سياسة.

 

إنّ السياسة هي صناعة الخير العام، والخير العام هو المناسب لأي عمل سياسي يُدير دولة قوية ركيزتها المؤسسات الديمقراطية. إنّ علم السياسة يعتبر أنّ النظام الديمقراطي يتمحور حول الدستور، حيث تمارس الحكم ثلاث سلطات أساسية وهي: السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية؛ كما لا يقتصر المجتمع الديمقراطي السليم على هيئات الحكم وحسبْ، إنما يضمّ عددًا من القوى الفاعلة أهمها: الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، والإعلام. إنّ الطريق إلى قوة الدولة يمُّرْ بإحترام إستقلال مؤسساتها المدنية والعسكرية، وفي أن تدير شؤونها وفقًا لقواعدها الخاصة وبمعرفة أسباب عزوف المواطنين عن تأييد مؤسساتها التشريعية ومجلس وزرائها ونصف القيّمين على سلطاتها المحليّة ومعالجة هذه الأسباب.

 

سؤال يطرح نفسه على هامش هذا البحث: هل الدولة اللبنانية دولة قوية ولها ركائز سليمة ديمقراطية؟