IMLebanon

أسئلة مشروعة بعد شهر على انفجار الشارع حول أسباب الإخفاق وعوامل النجاح

أسئلة مشروعة بعد شهر على انفجار الشارع حول أسباب الإخفاق وعوامل النجاح

إنقاذ الحراك «برزنامة وطنية» تُحدث صدمة إصلاحية ولا تهزّ الاستقرار!

التحرّك الشعبي بدأ في مكان وانتهى في آخر بالرغم من اعتراف السلطة بأنه شكل عيناً راصدة

يجزم أحد المتابعين للحراك المدني أن هذا الحراك لم يبدأ ليتوقف. قد يخبو ويتعثر لكنه سيستمر. هذا الجَزم مردّه إلى حال الانهيار الذي يضرب المؤسسات، وعجز الطبقة السياسية عن التصدّي للملفات الحياتية والاجتماعية، ووصولها إلى حافة الإفلاس المترافق مع تفشي الفساد في مختلف مفاصل الدولة، والأهم ارتفاع منسوب التململ الشعبي نتيجة الشعور بلامبالاة الطبقة السياسية وانفصالها عن جمهورها ومؤيديها وسط استفحال الأزمات وانعكاسها سلباً على لقمة عيشهم وأمنهم الاجتماعي ومستقبلهم.

هذا الواقع الذي انفجر مع تفاقم أزمة النفايات، أضحى في رأي هؤلاء المتابعين خارجاً عن سيطرة القوى السياسية التي انتفض عليها جيل الشباب المتأثر بمَن حوله من الثورات العربية بمعزل عن تقييم نتائجها، وبات في متناوله أدوات تواصل بالغة التأثير وفّرتها ثورة التكنولوجيا والاتصالات، وكسر بفعلها جدار الخوف والصمت حيث الأنظمة الشمولية القمعية، فكيف الحال إذا كانت الساحة التي يتحرّك فيها المجتمع المدني هي الساحة اللبنانية، التي تتيح بأنظمتها أساساً هامشاً واسعاً من الحرية للتحرّك في ظل إعلام متفلت من الضوابط والرقابة المُحكمة يلعب دوراً رئيسياً في تأجيج الحراك؟

على أن هذا الحراك الذي شهد زخماً عفوياً كتعبير جليّ عن حال الرفض للواقع الراهن، أخفق في البناء على المشهد الذي تكوّن خارج الاصطفافات الطائفية والانقسامات السياسية بين قوى 8 و14 آذار، وفي رفع مطالب واضحة وتوحيد قيادته وتأخير خطواته للدفع قدماً في تشكيل أداة ضغط فعلية في وجه الطبقة الحاكمة.

هذا الإخفاق يعود، وفق قراءة المنخرطين في الحراك، إلى عوامل عدّة، منها عفوية التحرّك وعدم خبرة المجموعات الشبابية التي بادرت إليه وذهابها بعيداً في تقدير قدراتها وحجمها، وحصول انشقاقات داخلها، لكن الأهم نجاح جهات عدّة في اختراق الحراك ومحاولة الهيمنة على المشهد من خلال خطوات متسرّعة غير مدروسة، بدأت في اقتحام وزارة البيئة ولم تنته في «الصورة الحاقدة» التي قدمتها في «الزيتونة باي»، فضلاً عن تصدّر الحراك رموز اتسمت بارتباطها سابقاً بالنظام السوري وبعدائها لحقبة الرئيس رفيق الحريري ولمشروعه الاقتصادي في البلاد، وطغيان العبثية والغوغائية على التحرّك الذي رافق انعقاد الجلسة الثانية من الحوار في ساحة النجمة، ومحاولات المتظاهرين المتكررة في استفزاز القوى الأمنية للوصول إلى صدام معها، ما طرح علامات استفهام عن مرامي وأهداف المنظمين، وسط معطيات توافرت عن دور لأحد الأجهزة الأمنية في تحريك المتظاهرين ودفعهم لمشهد دموي!

في التقييم العام أن الحراك بدأ في مكان وأضحى في مكان آخر اليوم، وخسر من وهجه في وقت كان يُعوَّل عليه أن يجذب إلى الساحات كتلة شعبية كانت لا تزال في موقع المراقبة للحراك، على الرغم من اعتراف السلطة السياسية بأن الحراك الشعبي، شكّل «عيناً راصدة» لأدائها الذي كان متفلتاً من أي ضوابط نتيجة المحاصصات السياسية التي أطاحت بآليات الرقابة الفعلية، وليس الإرباك الذي اعترى الحكومة حيال المناقصات في ملف النفايات سوى دليل على تبدّل الواقع لجهة تحسّب السلطة السياسية من الاستهانة بمفاعيل الحراك.

غير أن المكاسب التي تحققت في امتحان ملف النفايات الذي أفضى إلى خطة الوزير أكرم شهيب بمشاركة المجتمع المدني، مهددة بالتلاشي إذا لم يلتقط الحراك الفرصة للتعامل بإيجابية معها، ومحاولة تحسينها وإزالة الشوائب التي تعتريها ومراقبة سير تنفيذها.

لكن ذلك لا يمكن تحقيقه من دون إجراء القيّمين على الحراك مراجعة جدّية للأسابيع الماضية، بما حملته من إيجابيات وسلبيات، والعمل لوضع خارطة طريق تُعيد تنظيم الحراك وعقلنة خطواته وطروحاته وخلق قيادة موحدة قادرة على إعادة الثقة مجدداً إلى نبض الشارع، فالنجاح في الامتحان الأوّل - امتحان التعاطي مع ملف النفايات - سيعطي دفعاً معنوياً للانتقال إلى ملفات أخرى، وإلى البناء على تراكم التجربة لرفع سقف المطالب إلى المطالب السياسية بما يُعيد الحياة إلى المؤسسات الدستورية والاعتبار إلى الانتظام العام.

في رأي المراقبين أن الأوان لم يَفت بعد لإنقاذ الحراك المدني وتصويب بوصلته بـ «رزنامة وطنية» قادرة على اجتذاب الكم الأكبر من اللبنانيين وتقديم أداء مختلف.

فالعنف الكلامي والشتائم التي وُجهت على الملأ لشخص رئيس حركة «أمل» نبيه برّي، آلت إلى استثارة العصبية السياسية والمذهبية وإلى استثارة الغرائز وإلى صدام في الشارع حمل في طيّاته علامات مقلقة من احتمال تكرار هذا المشهد في حال عدم تنبّه القيمين على الحراك إلى إطفاء كل ما من شأنه أن يُذكّر بالحرب الأهلية.

وبدا من الأهمية بمكان تنبه الحراك إلى ضرورة عدم تعطيل مصالح الناس بما لا يحدث شرخاً اجتماعياً بدأت معالمه تظهر مع الصرخة التي أطلقتها الهيئات الاقتصادية لإنقاذ وسط بيروت من الاستهداف الحاصل الذي آل إلى إقفال عشرات المحال التجارية.

وإذا كان ثمة شكوك في إمكان اجتياز الحراك الاختبار بنجاح، نظراً إلى التعقيدات السياسية والطائفية في البلاد، غير أن إخفاق التجربة سيؤول إلى ضياع الفرصة أمام إمكانية إحداث أي تغيير في العقلية الراهنة والذي لا يتطلب إسقاط النظام بل العمل على إصلاحه من خلال تطبيق الدستور.

رلى موفّق