في غمرة “الحرب على الارهاب”، وهو شعار الذي يطغى على كل شيء في هذه المرحلة، ثمة اصوات تشكك في مدى فاعلية تلك الحرب، وبعضها من داخل “التحالف الدولي” الذي رفع هذا الشعار، وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، ويأتي هذا التشكيك من خلال تساؤلات تطرح حول “استنساب” في استهداف المواقع العائدة الى الجماعات المستهدفة وآخر تسمياتها “داعش” و”النصرة” وما شابه، وعن تعمد “غض الطرف” ولا سيما من الجانب الاميركي عن بعض تلك المواقع، وبهذا المعنى تبدو الحرب الاميركية على الارهاب “بالقطعة” و”غبّ الطلب”، ربطا بمصالح ومكاسب قريبة وبعيدة المدى، يبقى النفط في معظم الحالات محورها الاساسي. وهذا ما يقال في المجالس على اختلافها مضافا الى محور آخر هو حماية امن اسرائيل، وتلك لا تبدو مهمة بقدر ما هي استنتاج طبيعي يستند الى وقائع ميدانية ومواقف سياسية ليست جديدة على كل حال، بل تعود الى اكثر من نصف قرن وتمتد الى اكثر من 66 عاما، اي الى ما قبل عام 1948 وبدء “عمل” الجماعات الصهيونية في الدول العربية واحدة بعد الاخرى، ومنها لبنان، وهو عمل مخابراتي – أمني – تخريبي، لم يترك اصحابه وسيلة الا اعتمدوها، ممهّدين الطريق امام مرحلة ما قبل قيام دولة اسرائيل وما بعدها. وفي آخر “مآثر” هذا العمل الذي لا يزال مستمرا على ما يبدو، ما ورد على لسان الكاتب البروفسور جورج شتاينر، المعروف جيدا في اوروبا وفي باريس خصوصا، حيث ولد عام 1929 من ابوين يهوديين، والحائز اعلى الشهادات ولا سيما في الآداب من اكبر الجامعات الفرنسية والاميركية ومنها هارفرد وشيكاغو، اذ قال في حديث الى صحيفة “لوفيغارو ماغازين” الفرنسية الاسبوع الماضي بكل وضوح وبالفم الملآن: “ان ما يمكن ان يؤمّن حماية اليهود، هو الحرب بين الشيعة والسنة التي تعمّم صراعات في كل ارجاء منطقة الشرق الأوسط”
“Ce qui pourrait sauver les juifs, c’est la guerre entre les chiites et les sunnites, qui génère des canflits partout au moyen – orient” etc…
وهذا الكلام الخطير الذي اشارت اليه “النهار” الاربعاء الماضي في هذه الصفحة، كان منطلقا لنقاش سياسي حول حملات التحريض الطائفي والمذهبي والجهات التي تمولها وتقف وراءها، وحول الارهاب ومصادره، من وجهة نظر لبنانية، بدءا بالدعوة الى اثبات جدية في مكافحته، والخطوة الأولى والطبيعية تكون في تحديد مفهوم الارهاب واعتماد تفسير موحد غير منحاز في اطار محاربته.
وفي هذا الصدد، يبدأ مرجع سياسي “مداخلته” بالاشارة الى ان “مكافحة الارهاب لا يمكن ان تكون استنسابية او انتقائية، ولا يمكن ان تكون مواجهة جدية لـ”داعش” و”النصرة” بضربة هنا وغض طرف هناك، وقد شهدنا حالات مماثلة في مراحل سابقة بلغت ذروتها بالاجتياح الاميركي للعراق، والذي لا تزال تداعياته مستمرة، وقد ادى الى خراب العراق الذي كان يشكل هاجسا لإسرائيل، سواء بما يتمتع به من امكانات اقتصادية مهمة او بما يشكله من عمق عربي لأي مواجهة مع اسرائيل، او، اخيرا لا آخرا، بما كان يحكى زورا عن امتلاكه اسلحة الدمار الشامل. وبعدما تبين ان العراق لا يملك شيئا من هذا السلاح، اخذت الادارة الاميركية تبرر اجتياحها بالعمل على تحريره من حكم استبدادي غاصب، فاذا بها تستبدله بحكم لا يقل استبدادا عن سلفه!”. وفي زمن الاجتياح الاميركي للعراق مطلع التسعينات، لفت كثيرون في لبنان والدول العربية والعالم، الى ان سقوط العراق في قبضة الاحتلال الاميركي يمكن ان يترتب عليه من تداعيات ما لا حدود لأبعاده على صعيد العراق، ومن ثم على صعيد الدول العربية بأسرها”. ويبدو واضحا ان التخوف من تلك التداعيات لم يكن مبالغا فيه، وها هي تجلياتها تبدو واضحة في اكثر من دولة عربية، ولن تقتصر على ما آلت اليه الامور من خراب ودمار في عدد من الدول العربية “بل انها مرشحة لإيجاد اوضاع جديدة في العالم العربي يغلب عليها اللااستقرار، ومن شأنها ان تؤدي الى معضلات متشعّبة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويكون من جرائها صرف شعوب الامة قاطبة عن قضاياها، وفي مقدمها قضية العرب المركزية ومنشأ كل القضايا المتفرعة منها، وهي قضية فلسطين”.
وانطلاقا من هذا التحليل ومن استنتاجات كثيرة قريبة من الواقعية وبعيدة من المبالغة، يصبح السؤال مشروعا اكثر من اي وقت، حول منشأ الارهاب وتداعياته والجهات المستفيدة منه. واما عن الاستنسابية في تحديد مفهوم الارهاب فحديث آخر!