Site icon IMLebanon

تساؤلات مشروعة حول شرعية المولود الهجين!

 

إنجاز الموازنة، بعد عمليات قيصرية في مجلس النواب، قد يكون خطوة إلى الأمام، ولكن مضمون الموازنة، وما تضمّنه من تخفيضات سطحية في الإنفاق يعتبر عشر خطوات إلى الوراء!

 

لم تأتِ الموازنة على قدر من مستوى الإصلاح المالي والإداري المطلوب، بل هي أشبه بمجموعة من التدابير العاجلة، والعديد منها ارتجالي، لتخفيض الإنفاق بأرقام متواضعة، ومعظمها من المصادر الأكثر تواضعاً في ميزانية الدولة، وفي مقدمتها الرواتب للعاملين والمتقاعدين، وعدم الاقتراب من الملفات الكبيرة للفساد والهدر والإنفاق غير المجدي، وكأن قدَر المواطن المغلوب على أمره أن يتحمّل وزر سرطان الفساد المستشري في الوزارات والإدارات العامة، ثم أن يدفع عن الفاسدين والمستفيدين من نهب أموال الدولة ضرائب ترميم مالية الدولة، وما يرتبه الفساد من أعباء متراكمة على الخزينة العامة.

 

أيهما أجدى، قطع نسبٍ من رواتب الموظفين والمتقاعدين، وهم من ذوي الدخل المحدود، أم وقف السرقات في المشاريع العامة، وهي تُقدّر بالمليارات؟

 

ما الفائدة من تخفيض نسبة الإنفاق على المشاريع الإنمائية، طالما بقيت الكهرباء المفقودة تستنزف أكثر من ملياري دولار سنوياً؟

 

هل من المنطق بشيء أن يستقوي النواب على رواتب العاملين في القطاع العام، ولا يقتربوا قيد أنملة من رواتب الوزراء والنواب؟

 

وهل يجوز أن يتم تخفيض أموال الخدمات والأدوية في وزارة الصحة، وتحجيم المساعدات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتبقى مخصصات السلطات العامة، وفي مقدمتها الرئاسات الثلاث، دون مسّ من قريب أو بعيد، بما فيها المخصصات السرية؟

 

أيهما أكثر فائدة للمواطن المسكين، سرير لمريض في المستشفى، أم رحلات خارجية ومؤتمرات لا تُسمن ولا تُغني من جوع في الخارج؟

 

لماذا لم يصل التخفيض إلى بنود الهدر في وزارة الخارجية مثلاً؟

 

وهل الإصلاح المالي، وتحسين أوضاع الخزينة يكون بفرض الضرائب بشكل عشوائي، وبنفس النسب على الفقراء والأغنياء، كما حصل بفرض الضريبة بأساليب ملتوية، على المستوردات، بحجة حماية الصناعة الوطنية؟

 

ولماذا لم تتم معالجة معابر التهريب، وفضائح الجمارك التي تُضيّع المليارات من موارد الدولة؟

 

وكيف يتمّ إقرار الموازنة وتأجيل قطع حساب السنوات السابقة، كما نص الدستور؟

 

ومَن مِن جهابذة الاقتصاد، قديماً وحديثاً، يقول أن إنعاش الاقتصاد المتعثر، والذي يعاني من كساد وبطالة متزايدة، يكون برفع الفوائد المصرفية وسحب السيولة من أيدي المواطنين والمصارف لتمويل رواتب الدولة وفسادها، بدل تخفيض الفوائد وضخ المزيد من السيولة، وتشجيع الناس على الاستثمار، وعدم ترك أموالهم مجمدة في المصارف، أو في سندات الخزينة الصمّاء؟

 

علامات استفهام كثيرة تحيط بهذا المولود الهجين، الذي لا يمثّل التقشف الحقيقي والمتوازن، ولا يُوحي بالإصلاح الفعلي والمطلوب من الأشقاء والأصدقاء في مؤتمر سيدر.

 

ولكن ما يستحق الوقوف عنده، هو ذاك النقاش المُعيب الذي ساد في جلسات مناقشة وإقرار الموازنة، حيث ظهر الإفلاس السياسي بأبشع صوره، من خلال الخطابات الجوفاء لمعظم النواب، وما تخللها من صدامات ومشادّات كلامية كشفت مستوى الحوار الهابط بين الأطراف السياسية، فضلاً عن الهجمة الضارية في الجلسة الأخيرة على رئاسة الحكومة من خلال استهداف مؤسسات تلعب دوراً حيوياً في المشاريع الإنمائية، وذنبها أنها تتبع إدارياً لرئاسة الحكومة، أو أن القائمين عليها من المقرّبين لرئيس الحكومة، مثل مجلس الإنماء والإعمار، وأوجيرو وهيئة الإغاثة!

 

أمّا المجالس والصناديق الأخرى التي تثير الكثير من الجدل، والكثير الكثير من الغموض والهدر في ماليتها، فتبقى من المحميات المحاطة بعشرات من الخطوط الحمر، وممنوع المسّ بها، لأنها من حصة كبار القوم، النافذين في السلطة وخارجها!!

 

وهذا يعني، بالنسبة لشريحة كبيرة من اللبنانيين أن محاولات قضم صلاحيات رئيس الحكومة وتحجيم نفوذه في السلطة مستمرة ولم تتوقف، رغم كل ما يُقال عن تعويم التسوية تارة، واحترام التزامات التسوية الخرقاء، التي يُنتهك الدستور وبنوده باسمها يومياً عشرات المرات، تارات أخرى.

 

ورغم كل المآخذ على هذه الموازنة التي تحوّلت إلى ميزانية لما تبقى من أشهر هذا العام، يبقى السؤال الأساس والمفصلي الذي يشغل بال أهل المال والاقتصاد، ومعهم كل الناس: هل ستلتزم الحكومة بأرقام الميزانية، إنفاقاً وإيرادات، أم أن المسألة ستبقى مجرّد أرقام على الورق، كما حصل في ملف سلسلة الرتب والرواتب؟