Site icon IMLebanon

الليونة «الحريرية» تجاه عون هكذا بدأت… وهنا توقّفت!

هل يمكن القول إنّ موجة التفاؤل الرئاسي التي ضربت الرابية في الآونة الاخيرة قد انتهت أم أنها قد تتكرّر؟

يبدو أنّ موجة التفاؤل قد حجزت مكاناً لها على الرف، لاستراحة ربما تطول. الطرف «البرتقالي» غادر لحظة الانتعاش الرئاسي التي عاشها، وعاد الى التمركز في مربّع الانتظار، فيما يبدو أنّ الطرف الأزرق قرَر إطفاء محرّكات «مبادرته العونية».

أمّا التواصل بينهما فمستمرّ ولغة الكلام على حالها بين نادر الحريري والوزير جبران باسيل، إمّا مباشرة، وإمّا عبر الهاتف، أو بالرسائل النصّية وخدمة «الواتساب».

ما الذي حصل؟

من البداية، رُسمت خريطة طريق ما بين «بيت الوسط» والرابية. أدى الوزير نهاد المشنوق الدور الأساس في تظهير ليونة حريرية من تبنّي ترشيح العماد ميشال عون، ناقش نادر وجبران ما سُمّي «دفتر الشروط الرئاسية والحكومية» وقطعا مسافة لا بأس بها في بحث التفاصيل، وما هو ممكن القبول به، وما هو ممكن تجنّبه.

النائب وليد جنبلاط كان في الأجواء، قال إنّه مع انتخاب أيّ مرشح، إرتاحت الرابية لهذا الموقف وقدَّرته، وقرأ المحيطون تحوّلاً في موقف جنبلاط وقبولاً بعون. في هذا الجو أصيبت الرابية بـ»نوبة انتعاش»، وبدأ المبالغون في التفاؤل يروّجون أنّ الأمور انتهت، والجنرال بدأ يحزم حقائبه للانتقال الى بعبدا.

العونيون وضعوا «حزب الله» في الصورة، لكنّ الحزب أخذ جانب الحيطة والحذر. الطرف الازرق فاتحَ الحزب بهذا المُستجد في إحدى جلسات الحوار الثنائي بينه وبين تيار «المستقبل»، لم يعط جواباً مطمئناً، وهو كان قد سمع الطرح نفسه من السفير الفرنسي في لبنان إيمانويل بون الذي كشف طرحاً جدياً بتبنّي عون من قبل الحريري، شرط أن تتوافر ضمانات من «حزب الله»، والكلام نفسه كرّره وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت وجاء ردّ الحزب بما مفاده «عون مرشّح «حزب الله»، أمّا الضمانات فالحزب ليس الجهة المعنية التي يُفترض أن تقدّمها لا إلى الحريري ولا إلى غيره، إذهبوا واحكوا مع عون».

والمعلوم هنا أنّ لتلك الضمانات بابَين:

الأول عبر «حزب الله»، فماذا يمكن أن يقدّم الحزب إلى الحريري؟ وهل يستطيع أصلاً أن يقدم له ما يريد، خصوصاً أنّ الحزب يعتبر الحريري منضوياً في محور مواجه له؟

الثاني عبر الحريري، فهل يستطيع أن يقدم شيئاً إلى «حزب الله»، وماذا يمكن أن يقدم الحريري إلى الحزب لكي يأخذ منه؟ وهل يستطيع أن يقدم ضمانة موافقة السعودية على عون؟ وهل يستطيع أن يقدم قانوناً انتخابياً جديداً على أساس النسبية؟

هل يستطيع أن يقدّم تنازلاً جوهرياً بالاستعداد لإعادة توزيع السلطة والشراكة الحقيقية في حكومة وحدة وطنية بثلث معطّل، وببيان وزاري أساسه ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ناهيك عن تنازلات جوهرية على صلة بالمحكمة الدولية والسلاح، ومشاركة الحزب في الحرب السورية، وحكومة غير معادية لسوريا ونظام بشار الأسد؟

في المقلب الآخر، كانت الصورة تغلي، تسريب أخبار ما سمّي بالتقارب الرئاسي بين «بيت الوسط» والرابية، أشعَر خصوم عون بالاستفزاز، وسؤال وحيد تردّد في الأرجاء: «ماذا يفعل الحريري»؟

لا جواب شافياً للخصوم، فقرّروا محاولة العثور عليه عند من يفترض أن يكون عالماً به. توالت الاتصالات بالسعودية من سياسيّين ورؤساء جمهورية سابقين، فتلقوا ما يفيد بأنّ المملكة ليست في الصورة، واسم عون ليس وارداً لرئاسة الجمهورية، وبالتالي لا موافقة سعودية على الجنرال… واستخلص هؤلاء أنّ المبادرة الحريرية العونية الاخيرة انتهت؟

سقطت الليونة الحريرية تجاه عون، ثقيلة جداً على بنشعي. إستاء النائب سليمان فرنجية، وبرزت الخشية من أن تتعرّض مبادرة الحريري لترشيحه الى النسف. مع ذلك قرّر انتظار التطورات متسلّحاً بالقول إنه لم يتبلغ شيئاً وليس معنياً بكل ما يقال أو بأية تحركات، بل هو معنيّ بمبادرة الحريري ويعتبر أنها ما زالت قائمة.

في هذا الجو، كانت عين التينة تقارب هذا المُستجِد بواقعية، فلا شيء ملموساً لديها يؤكّد أنّ الأفق الرئاسي قد فتح، وزيادة على ذلك قال الرئيس نبيه برّي إننا ما زلنا في حاجة الى مزيد من الشغل، وقطع عهداً على نفسه بأن يشتغل للرئاسة ليلاً ونهاراً.

سافر برّي وعاد، مُطلقاً مزحة معبّرة «رجعت ولْقيت كل شي خالص وتمّ انتخاب عون في غيابي». علماً أنه ناخب أساسي لا يمكن تجاوزه في الاستحقاق الرئاسي، وبالتأكيد له مرشحه ولم يعلن يوماً أنه مع ترشيح عون. واللافت أنه على رغم الأجواء المكهربة مع عون، لم يتوقف السعي البرتقالي لنَيل تأييد برّي لترشيح عون، ولكن من دون جدوى. وثمّة حادثة معبّرة حصلت في ختام اللقاء النفطي الذي جمَع بري بالوزير باسيل.

في ختام اللقاء، وعلى ذمّة الراوي، هَمّ باسيل بمغادرة مكتب رئيس المجلس، ولكنه ما إن وصل الى الباب حتى عاد وسأل بري: «متى يمكن أن نحكي بالموضوع الرئاسي»؟… ردّ برّي: «عندما أصبح شرعياً»؟

إستفسر باسيل: ماذا يعني ذلك؟ فأوضح برّي: «عمّك يقول إنّ المجلس النيابي غير شرعي، فكيف لمجلس غير شرعي أن ينتخب رئيساً يفترض أن يكون شرعياً؟». وانتهى اللقاء عند هذا الحد.

إلتقى برّي فرنجية، تم استعراض كل الحكاية الرئاسية الجديدة، عرض فرنجية هواجسه، طمأنه برّي «أنا معك»، وخرج رئيس «المردة» مرتاحاً لموقف «ابو مصطفى». الأهمّ في هذا اللقاء أنه نَسف كل الآمال البرتقالية التي علّقها البعض على جلسة 8 آب، واكّد أنّ ما قيل عن كونها جلسة حاسمة، غير صحيح.

لكنّ فرنجية ارتابَ أكثر من موقف الرئيس فؤاد السنيورة على طاولة الحوار عندما قال «طالما أنّ أيّاً من الخيارات المطروحة «مش ماشية» لنَمش بمرشّح ثالث». فزار بعد ظهر اليوم الأول لثلاثية الحوار «حزب الله»، وكان نقاش لم يخلُ من عتب، خصوصاً أنه قد بدأ ذلك على طاولة الحوار حينما قال: «السيّد حسن نصرالله يقول إنه وَفيّ لحلفائه في الدنيا والآخرة، يبدو أنّ الدنيا لغيرنا والآخرة لنا».

الحريري لم يلتقِ فرنجية، بل قصد عين التينة واستعرض أمام برّي حال البلد والى أين وصلت الأزمة، وقال إنّ «البلد لم يعد يحتمل، ولا يستطيع أن يستمر على هذا النحو لا اقتصادياً ولا مالياً ولا سياسياً». ثم قال ما مفاده «إننا كنّا قد مشينا في خيار فرنجية، وتبيّن أنّ هذا الخيار «مش ماشي». وهذا ما دفع البعض في تيار «المستقبل» لكي يطرح أن نمشي بعون».

لم يقدّم برّي إلى الحريري ما يُوحي بأنّه موافق على السير بعون، بل أكد الالتزام بفرنجية وسيصوّت له. وعلى هذه الخلاصة انتهى اللقاء، لم يأخذ الحريري من برّي ما يريده، وابلغ رئيس المجلس أنه ذاهب في سفرة طويلة لقضاء عطلة مع عائلته، وهناك من يقول انه سيزور مدينة نيس الفرنسية، وقد يلتقي هناك ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، من دون أن ينفي احتمال توجّهه الى المغرب حيث يمضي الملك سلمان الإجازة التقليدية.

في خلاصة الليونة الحريرية الجديدة، يقول مرجع كبير إنّ الرسالة الرئاسية تقرأ من بعض العناوين، وأهمّها يَكمن في هجوم السيد حسن نصرالله على السعودية وكذلك في هجومها على «حزب الله»، فهذا معناه أنّ الامور ما زالت عند نقطة الصفر. وطالما أنّ طبقة الهجوم عالية على السعودية في خطاب نصرالله، فمن السذاجة الاعتقاد بأنّ رئاسة الجمهورية في لبنان يمكن ان تمر في هذا الجو.