«حتى لو أقام بعض الناس «كانتونات»، فإننا لن نسامح من سيقيم كانتوناً مسيحياً في المنطقة الشرقية وفي جبيل وكسروان لأنّ هذه مناطق المسلمين وقد جاءها المسيحيون غزاة»… (الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله 1982). فهل ما زال «حزب الله» اليوم على اعتقاده؟ وهل ما زال المسيحيون في لاسا غزاة، وفي كسروان وجبيل؟
قضية لاسا مزمنة. والنزاع على الاراضي بين بعض ابناء المنطقة من مسيحيين ومسلمين شيعة، الذي تجدّد أمس، ليس الأول من نوعه.
المسألة اليوم بدأت، بعدما منحت المطرانية المارونية عدداً من المواطنين حق استثمار الأرض في لاسا، في إطار المشروع التعاوني الخيري بين الأبرشية المارونية في جونية وشركة جرجي الدكاش وجمعية «أرضنا»، وذلك بهدف إتاحة فرص عمل للبنانيين ودعم القطاع الزراعي، وبقاء الانسان في أرضه. فتم الاعتداء على المواطنين أصحاب الحق ومنعوا من الدخول إلى أراضيهم.
راعي أبرشية جونية وضواحيها المطران نبيل العنداري ردّ على التجاوزات، فأكد أنّ «المسيحيين ليسوا غزاة كما تدّعون، ولا تزوّروا التاريخ، فهم أهل هذه الأرض». وقال: «إننا كمسيحيين حريصون على السلم الأهلي والعيش المشترك، لكن لا تلعبوا بالأمن والاستقرار».
كلام العنداري كان حاسماً ووجّه رسائل الى من يعنيهم الأمر، بأن «لا تراجع عن حق الأبرشية في ما تملكه، وهي لا تعتدي على ملك أحد، الخرائط واضحة، والملك لنا»، كما تقول مصادر قريبة من بكركي.
القيّم على أملاك البطريركية في لاسا الأب شمعون عون، أعربَ عن امتعاضه من الإهمال الحاصل في ملف لاسا، «فالاعتداءات تتكرر كل فترة، وهناك اعتداء واضح على أملاك الوقف الماروني، والدولة متخاذلة لجهة اتخاذ قرار حاسم لبَت الموضوع ومنع الفوضى الحاصلة وإعطاء كل ذي حق حقه». وقال: «هناك قرار في الدولة بإجراء مسح نهائي للمنطقة، فرقة المساحة جاهزة، إلّا أنّ مخاتير لاسا يرفضون الاستجابة، ووزارة الداخلية لا تجبرهم»، مؤكداً انّ العقار 180 المختلف عليه حالياً ممسوح منذ تاريخ 5/4/ 2005 بشكل نهائي، إلا أنّ هناك أعمال «سَلبطة» من القاطنين في لاسا على حقوق الأبرشية».
وفيما علمت «الجمهورية» انّ عدداً من أبناء الطائفة الشيعية في لاسا عمدوا ليل أمس الأول إلى وضع منزل جاهز (prefabrique) داخل الأرض، كشف الأب عون أنّ الكنيسة تواصلت مع الرئيس نبيه بري وقيادات «حزب الله» والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، فلم يُسمع صوتها، وتم التنصّل من الموضوع، «فيما يدّعي المجلس الشيعي الأعلى انّ الأرض تعود ملكيتها لهم». وناشَد الأب عون الرؤساء الثلاثة الذين بات الملف بأيديهم، وهم على يقين من حق البطريركية فوق، أن يتّخذوا القرارات الجريئة، كما طالب القضاء والجيش بتطبيق القانون، «لأنه الطريق الأوحد لحل المشكلة».
نائب كسروان شوقي الدكاش أوضح لـ»الجمهورية» أنّ مساحة الأرض التي يقع عليها الخلاف حالياً، والتي يُمنع المواطنون من استثمارها، هي جزء من مساحة 4 ملايين متر مربع تمتلكها أبرشية جونية المارونية ويستثمرها النائب شوقي الدكاش زراعيّاً منذ 20 عاماً، وهي ممسوحة نهائياً، وتضم خيماً ومزروعات. وقد تم الاتفاق بينه وبين المطرانية على دعم المواطنين في هذه الفترة الصعبة، ومنح نحو 50 عائلة من المنطقة، وجزء منهم من لاسا نفسها من البيئة الشيعية، لكي يقوموا بالاهتمام بالأرض وتصريف الانتاج وتأمين اليد العاملة».
وكشف الدكاش «أنها ليست المرة الأولى التي نُطرد فيها من أرضنا، فسبق ان تمّ طردنا، فأجرينا اتصالات عدة على ارفع المستويات لحل المسألة من دون إثارتها في الاعلام، إلّا أنهم عاودوا الكرّة، وتم الاعتداء على المواطنين. لذلك، بالنسبة إلينا، نحن مصرّون على استكمال ما بدأناه في أرضنا. مشروعنا الخيري سيستمر مهما كلّف الأمر، ونُحمّل الرؤساء الثلاثة إضافة الى وزيري الدفاع والداخلية وكل الجهزة الأمنية مسؤولية أي أذى يلحق بأي مواطن».
الاعتداء على أملاك الكنيسة ليس جديداً في لاسا، لكن الحديث عن أنّ الأرض مُتنازع عليها هو غير صحيح، فأعمال المساحة أقفلت عام 1973، واعتراضهم عن انّ أعمال المساحة أجريت في فترة الانتداب غير مبرّر، هذا ما يقوله النائب السابق فارس سعيد. ويؤكد لـ»الجمهورية» «انّ «حزب الله» يحاول خلق واقع عقاري أسوة بالواقع السياسي والعسكري الذي فرضه، ومحاولة فرض واقع مصرفي جديد ايضاً». ويشدد على «أن الواقع العقاري في جرد جبيل دقيق، لأنّ المنطقة مختلطة، ولا زلنا منذ العام 2015 نحاول إلغاء المذكرة التي أصدرها الوزير السابق علي حسن خليل والتي خلقت مشكلة كبيرة، وتتضمّن نقل ملكية الأهالي من المشاعات إلى ملكية الدولة». ويعتبر سعيد «أنّ هناك سوء تدبير وخوف من الأمر الواقع لدى المراجع والقيادات المسيحية السياسية، في حين أنّ رأس الدولة هو المسيحي القوي».
ويقول أحد وجهاء لاسا من المسيحيين: «حزب الله» يحارب لإعادة فلسطين للفلطسينيين لأنهم أصحاب حق، فلماذا يريد سلبنا أرضنا في لاسا».