IMLebanon

لاسا حانقة والعيش المشترك مهدّد والدولة “في موت سريري”

 

العيتاوي يريد أن يجعل المسيحيين “سلاطة”

 

مرة جديدة تُخطئ الكنيسة المارونية في تعاطيها مع أحداث “لاسا” وهي العارفة “بالبير وغطاه” وبأن من لم يتب إثر إرتكابات متتالية نفذها في البلدة، في عقدين، لن يتوب اليوم! وبأن من “يأكل قتلة” في لاسا يردّ، ولو حبيّاً، في لاسا لا في أدما!

كُلّ من صودف وجودهم في البلدة، يوم الثلثاء في السادس والعشرين من أيار، شعروا أن الأسلوب الإستفزازي، النافر، والإستقوائي الذي استخدم مع جماعة مسيحية بالكامل من قِبل جماعة شيعية بالكامل ليس “قصة رمانة بل قلوب مليانة”! لا يريد المسيحيون صبّ الزيت على النار لكن حين يتكرر فعل الإعتداء، بلا حسيب ولا رقيب، تكرج الأسئلة عن “قوي” و”ضعيف” ومستقوي ومستضعف. فهل المسيحيون ضعفاء جداً كي يديروا مرة جديدة ظهورهم على قاعدة: اللهمّ إني بلغت؟

 

مؤسفٌ الكلام عن مسيحيين ومسلمين، وسنّة وشيعة، بعد ظنّ أن زمن الطوائف والمذاهب قد ولى. لكن، هناك من يصرّ مرة جديدة على التذكير: أنا هنا! فماذا يعني مثل هذا التذكير بتحليل راعي أبرشية جونية المارونية المطران نبيل العنداري والنائب شوقي دكاش والنائب السابق الدكتور فارس سعيد؟

أنهى عنداري ودكاش مؤتمرهما الصحافي في مطرانية أدما. وذهب كلّ في سبيله لكن الإتصالات استمرّت وتكثّفت. المطران عنداري “تحت القانون”. يُذكرنا بهذا بدل المرة مرات. لكن، ماذا يعني أن “يأكل” فقراء “قتلة” بعدما تقرر بمنطوق الكنيسة أن يستفيدوا من أرض تابعة لها، في زمن فيه جوع كثير ومخاوف كثيرة، ويزرعوها ببذور بطاطا وبشتول الخيار والبندورة وبكثير من الحبّ؟

 

المطران عنداري الذي ذكّر من يفترض بهم أن يتذكروا “بأننا أهل هذه الأرض لا غزاة” يبدو جاداً جداً هذه المرة في وضع النقاط على الحروف ويقول: “هناك من يُحرّف كل الوقائع والحقائق في البلدة ويطالب بما ليس له. نحن نملك كل المستندات والحجج والصكوك الخضراء بملكيتنا لأراضٍ في لاسا. ثمة وضوح بنسبة تزيد عن 200 في المئة من قبلنا. وطالبناهم مراراً وتكراراً أن يُظهروا ما لديهم ونحن نًرحب بكل إعتراض يقدمونه عبر القضاء. وطالما تمنينا عليهم إتباع وجهة التعقل وبضرورة عدم الكلام الطائفي وضرب الكرامات. هذا ليس ضعفاً منا بل إيمان وثيق بضرورة أن لا نقوم بردات فعل سلبية بل الإتكال على الدولة والقانون والقضاء والمراجع الشرعية. لكنهم تجاوزوا هذه المرة كل الحدود.

 

أن يتجاوز أمرؤ، أو جماعة، كل الحدود فهذا معناه أن الصبر قد فرغ. فهل سنشهد هذه المرة تعاملاً مختلفاً على قاعدة “ممنوع المساس بحقوق المسيحيين” بعد اليوم؟

 

كتبها… وحذفها

محمد العيتاوي، شيخ لاسا، بدأ هجومه الجديد، بعد سلسلة هجومات نفذها في 2011 و2013 و2016 وقبلها، بجملة كتبها فيسبوكياً ثم حذفها تقول: “يللي حابب يزرع بطاطا جملة أو فراطة بدنا نطمو متل ما بيطموا البطاطا ونفرمو متل ما بيفرموا السلاطة. زمن السكوت ولى”. كلامٌ كبير موجه للكنيسة أولاً ولنواب كسروان ثانياً. وبدل أن يتحرك القضاء تحركت الكنيسة ونائب كسروان شوقي الدكاش، الذي قدّم أرضاً يزرعها منذ أكثر من عشرين عاماً، الى خمسين عائلة فقيرة لتزرعها وتستفيد منها في هذا الزمن البائس. حصلت إجتماعات وحصل، قيل، أصحاب الحقوق المسيحيون على وعد بأن تعود المياه الى مجاريها. طلعت العائلات المستفيدة لتزرع فرُفعت عليها السكاكين والعصي والحجارة وأطلقت الشتائم بحق بطريرك الموارنة وكل من يتجرأ ويدخل الى لاسا من باب الإستفادة من الأراضي. فهل “تبرم” المطرانية ظهرها مع العائلات المستفيدة ويترك الجميع الأرض “بوراً” لأن “المستقوين” قرروا ما قرروا وخشية ان “يفرمهم” الشيخ العيتاوي وجماعته؟

 

الدكتور فارس سعيد يأسف لما حصل وما يحصل منذ عشرين عاماً في المنطقة، مع فارق أننا اليوم في زمن “الرئيس القوي” والأحزاب المسيحية الوازنة في السلطة. ويقول: ما حصل قبل يومين ليس جديداً بل منسوب إضافي لاستفزاز في أرض تملكها الكنيسة المارونية، ممسوحة ومسجّلة باسمها ويتمّ الإعتداء عليها بوسائل ثلاث: دفن من لا يحق لهم أن يُدفنوا فيها، وزراعتها كما يشاؤون هم لا أصحاب الحق، والعمار فيها بلا وجه حق. ويستطرد: منذ عشرين عاماً ونحن نقول بوجوب وضع حدّ لكل هذه التجاوزات، ونصرخ بذلك لكن سياسة الإستقواء “مكملة”. وآخرها شتم الكنيسة المارونية وبطريركها والإعتداء على الملكيات الفردية بلا عقاب.

 

ردة الفعل المسيحية أتت على شكل مؤتمر صحافي فهل هذا يكفي؟

 

يتحدى سعيد الكنيسة أن تعود الى فوق وأن يعود من قرروا مواجهة الفقر بالزراعة الى فوق. وكل هذا يتمّ تحت عين “حزب الله” وتغاضيه ويقول: ينعكس هذا النفوذ على كل شيء حتى على الواقع العقاري بدليل مذكرة علي حسن خليل قبل خمسة أعوام التي تنص على نقل مشاعات في جرود جبل لبنان، من بشري الى جزين، من ملكية الأهالي الى الجمهورية اللبنانية. وكم طلب من النواب المسيحيين وعددهم يزيد عن خمسين معالجة هذا الواقع العقاري الذي إذا نُفذ سيُبدل طبيعة الأرض ويكون أسوأ حتى من الواقع المصرفي السيئ والواقع التجاري المهترئ والوكالات الحصرية والفندقية والسياحية. هو تغيير سيكون له ارتدادات على الهوية المسيحية.

 

والحلّ؟ مؤتمر صحافي؟ المطالبة بالحقوق في مؤتمر يتيم؟

 

ما يحصل وما قد يحصل يحتاج اليوم أكثر من أي يوم الى “صحوة مسيحية”. لكن، هل عكس المؤتمر هذه الصحوة؟

 

لا، لم يكن الردّ على قدر المطلوب، خصوصاً أنه أتى من أدما لا من لاسا. فالمؤتمر، بحسب سعيد، كان يفترض أن يعقد في لاسا ليقولوا لمن يفترض أن يسمع أننا لم نهرب. وأن من “أكلوا قتلة” في لاسا يردون من لاسا كي تطمئن العائلات التي نوت على الزراعة الى أن عودتها ستكون آمنة وتتشجع على أهمية أن تواجه بالحقّ على من يستقوي على الحقوق والمصائر والكرامات.

 

 

النائب شوقي دكاش الذي يزرع الأرض من عشرين عاماً ولديه خيم نايلون فيها وبيوت زراعية، طالما ضمت فليفلة وخيار وبندورة، ووافقت الكنيسة على تقديمها، بالتعاون مع شركة “جرجي الدكاش وأولاده” وجمعية “أرضنا” الى خمسين عائلة مع لحظها توفير 20 في المئة، أي 12 حصة، الى أهالي لاسا، متفاجئ من أسلوب الرعاع الذي اعتُمد فوق ويقول: “فوجئنا بتصرفات محمد العيتاوي وهددنا فاتصلت بالنائبين علي بزي وعماد شري واجتمعنا مع القيمين وأمسكنا أيدينا بأيدي بعضنا وصلينا “الدعاء” معاً، وحين صعدنا هناك من تعرض لنا بالسكاكين والعصي وقالوا لنا نريد الأرض و”بلطوا البحر”.

 

والحلّ؟ سيُصار الى “تبليط البحر”؟ يجيب: نحن قلنا الحقيقة أما سيدنا فقال لنا سنسترجع حقوقنا بالقانون.

 

المسيحيون يتكلون على القانون لكن غيرهم يتكل على لغة الإستقواء. فهل هذا حلّ؟ هناك من يراجع حالياً كل الحسابات ويردّ ما حصل الى جملة وقائع مستجدة بينها كلام المفتي أحمد قبلان الأخير والى من يهدد بنظام جديد. العيش المشترك في البلدة مهدد اليوم أكثر من أي يوم والحراك المسيحي يستمر دون المستوى.

 

المطران عنداري يملك كثيراً من الأسماء والمعلومات لكنه لم يفرِج عن كل ما يملك في المؤتمر الصحافي و”لن يسمي” كل الضالعين في الترهيب، متكلاً حتى اللحظة على القانون والقضاء. وماذا لو غضّ القضاء عينه مرة جديدة؟ يجيب: النفوس مليانة وإذا سكتنا نحن فالمنطقة لن تسكت. ويستطرد: إذا كانوا يريدون الأراضي فليكن هذا بعد أن يبرزوا المستندات التي في حوزتهم إذا كانوا يملكونها. فنحن لدينا مطرانية في لاسا وكثير من الحقوق وتاريخ طويل عريض وربع أهالي البلدة من المؤمنين بالكنيسة. نحن تفادينا طويلاً المشاكل لكن أن يحصل ما حصل، وأن نسكت عنه، فهذا عار. لن نقبل بالرضوخ الى التهديد والترويع والبطش. تلافينا طويلاً المشاكل فنزلوا علينا بالهراوات والسكاكين. هو منطق غوغائي. والله معنا.

 

الله مع أصحاب الحقوق. الكنيسة تملك أوراقاً ومستندات بها ومحمد العيتاوي وجماعته يتكلون على الهراوات. والجيش اللبناني موجود في البلدة وهو يشغل مركزاً في المطرانية لكن “حصل ما حصل”.

 

محمد العيتاوي، الآمر الناهي في البلدة، ينتمي الى “حزب الله”. وهو، وإن حذف رسالة التهديد، لكنه لم يحذف تعليقات سموه “شيخ الجبل” ونعته “بجبل فوق الجبل” وسمى لاسا “قلعة حزب الله”. فهل يرتضي الحزب ما حصل في قلعة أراد من يناصروه سحب السجادة فيها من تحت أقدام الموارنة والمسيحيين “تزويراً للتاريخ والجغرافيا”.

 

في المؤتمر الصحافي حكى المطران نبيل العنداري والنائب شوقي الدكاش شيئاً وبقيت أشياء. وللتاريخ قالوا: لا تلعبوا بالأمن والإستقرار كي لا تحرجونا فتخرجونا”.

 

جماعة الشيخ محمد العيتاوي يلعبون بالنار. فهل سيخرج المسيحيون هذه المرة عن لغة الحوار؟ الكنيسة تبدو متريثة لكن الأرض غاضبة وأصحابها لا يريدون سوى القانون والقضاء. فهل هذا كثير عليهم؟

 

زمن السكون بالفعل ولى!