مما لا شك، ان انعقاد القمة العربية الاقتصادية التنموية في العاصمة بيروت أثار غضب فريق من اللبنانيين يريد من خلال كل مواقفه المعادية للدول العربية عزل لبنان عن العالم العربي، ووضعه في صف الدول المعادية والتي لا تخفي مطامعها في الهيمنة والتسلط. وقد عبر هذا الفريق عن هذا الغضب في أكثر من موقف وحتى في تصرفاته قبل انعقاد هذه القمة التي ركزت على انتقاد المسؤولين اللبنانيين على خلفية تمسكهم بانعقادها ورفضهم الاستجابة لخرق قرارات الجامعة العربية ودعوة رئيس النظام السوري للمشاركة، وعندها فشلت هذه المحاولة مع كل الضغوط التي مورست لجأوا إلى ممارسات استفزازية في الشارع كما حدث بالنسبة إلى التظاهر ضد مشاركة الدولة الليبية ذات العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية وصولاً الى حرق علمها، وكان الهدف من وراء كل هذه التصرفات التخريب على المؤتمر لمنع انعقاده في لبنان.
وحسناً فعل رئيس الجمهورية بالموقف الجريء الذي اتخذه والذي عبر فيه عن تمسكه بعقد القمة في بيروت، وعن التزام لبنان الكامل بقرارات جامعة الدول العربية وبإنتمائه إلى عروبته بمعزل عن أية حسابات داخلية ذات الصلة بتحالفاته مع هذا الطرف أو ذاك، وبمعزل أيضاً عن ردود الفعل الرافضة أو المعترضة على هذا الموقف طبقاً لارتباطاتها السياسية والاقليمية الواضحة المعالم تماماً، ويشكل موقف رئيس البلاد بداية مرحلة جديدة في المعادلة السياسية الداخلية لا بدّ وأن تظهر بوادرها بعد انتهاء القمة وصدور القرارات، وسيكون أحد نتائجها حسم المراوحة في شأن تأليف الحكومة لجهة طي هذا الملف ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم وخياراتهم، مما يعني بكلام أوضح الاقدام على تشكيل حكومة أكثرية تذهب إلى المجلس النيابي وتطرح الثقة بنفسها على أساس بيان وزاري يتضمن كل التعهدات التي قطعها الرئيس المكلف على نفسه خلال المشاورات التي سبقت التشكيل.
أما إذا كان مثل هذا الطرح تشوبه محاذير تتعلق بالاستقرار العام في البلاد، من جهة، وبالمعادلات السياسية القائمة من جهة ثانية، فإن البديل يكون باستمرار المراوحة واستمرار الشلل في الدولة إلى ان يقضي الله أمراً، وإن كان البعض يميل إلى أن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، يصب في مصلحة الفريق الذي لم يرضه الالتفاف العربي الذي تجلى بشكل واضح في اشتراك عشرين دولة من أصل 22 في القمة التي استضافها لبنان.
وبعيدا عن كل هذه التحليلات، فان مجرّد انعقاد القمة العربية في بيروت يُشكّل أوّل خطوة للبنان في الاتجاه الصحيح، أي في اتجاه عودة لبنان لانتمائه إلى الدول العربية والتزامه بالموقف العربي الجامع في وجه كل التحديات والتهديدات الخارجية، ومن شأن ذلك ان يُساعد بقوة على حمل هذه الدولة إلى العودة السريعة إلى لبنان وتقديم كل العون اللازم لإخراجه من أزماته المتراكمة والتي باتت تشكّل خطراً داهماً عليه في حال تلكأت هي عن تقديم العون والمساعدة المطلوبين بإلحاح، وبذلك يتكرر المشهد نفسه الذي مر به لبنان خلال الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من عقدين من الزمن وقضت على الأخضر واليابس، ولم يجد من يساعده إلى إعادة بناء نفسه سوى الأشقاء العرب الذين لم يبخلوا بأي شيء لأجل مساعدته على النهوض من الصفر واستعادة عافيته وموقعه في العالم. وليس مهماً أن يغمز البعض من قناة التدني في مستوى المشاركين العرب في هذه القمة، لأن العبرة لا تكمن في مستوى التمثيل بقدر ما تكمن في حجم النتائج التي ستسفر عنها.