في الايام الثلاثة المنصرمة بلا انقطاع وبضراوة، تواصلت الغارات الاسرائيلية على الجنوب والبقاع حتى اقصاه دونما ان توفر الضاحية الجنوبية كي تقرع البارحة ابواب جبل لبنان في الشوف وصولاً الى جرود كسروان وجبيل. لم تعد ثمة حاجة الى اعلان رسمي لحرب مفتوحة تنتظر آخر حلقاتها
للغارات الاسرائيلية هدف مزودج معلن: فصل جبهة جنوب لبنان عن جبهة غزة، واعادة المستوطنين المهجّرين من الشمال الاسرائيلي الى بيوتهم وضمان امنهم نهائياً. للوصول الى تحقيق الهدف المزدوج وسيلة مزدوجة بدورها: تصفية البنية القيادية لحزب الله وتقويض ترسانته العسكرية لا سيما منها الصواريخ القادرة على بلوغ العمق الاسرائيلي، وتحويل الجنوب الى اكثر من منطقة مهجورة كالشمال الاسرائيلي الى ما هو اسوأ بكثير مما سبق ان خبره في حرب تموز 2006 بجعله ارضاً محروقة بلا بشر ولا حجر.ذلك ما حصل ولا يزال منذ الاثنين الفائت في الحرب المفتوحة. لكن ثمة ما تقرن الدولة العبرية الحرب هذه به هما توقيتان ضروريان ومجديان بالنسبة اليها: اولهما انهاء المهمة العسكرية قبل الوصول الى 7 تشرين الاول المقبل موعد مرور سنة على «طوفان الاقصى» وعشية فتح حزب الله جبهة الجنوب مذذاك بلا توقف، وثانيهما فرض وقائع وحقائق جديدة على الارض تسبق موعد انتخابات الرئاسة الاميركية في 5 تشرين الثاني.
ما تعنيه الاهداف والوسائل والمواعيد هذه، حتى اشعار آخر ما لم يطرأ ما يوقف الخطة الاسرائيلية ويعطلها، استمرار الغارات على مناطق حزب الله وبيئته الشعبية في مهلة اسبوعين تفصله عن 7 تشرين الاول. في نهاية المطاف، عند اسرائيل كما عند حزب الله، الحرب ستتوقف في وقت ما. الفارق الجسيم بينهما حسابات ما يفترض او يتوقعه كل منهما ان تؤول اليه الاعمال العسكرية لمباشرة تفاوض ينتهي بتسوية يَقبلان بها او تنشأ وقائع جديدة تبقي الصراع عالقاً على غرار معظم حملات الاجتياحات الاسرائيلية للبنان على مر العقود المنصرمة: عام 1978 – ولم يكن ثمة وجود لحزب الله – نشوء حزام امني محتل تديره اسرائيل داخل الاراضي اللبنانية، عام 1982 اخراج المنظمات الفلسطينية من جنوب لبنان وصولاً الى اتفاق سلام مع هذا البلد لم يُبرم ثم الغي، عام 1993 محاولة احلال الجيش اللبناني في الجنوب والتخلص من حزب الله رفضته سوريا، عام 1996 تفاهم نيسان الذي اوجد للمرة الاولى قواعد الاشتباك والتسليم بوجود حزب الله عند الجانب المقابل من الشمال الاسرائيلي، عام 2006 القرار 1701.
دروس الاجتياحات الاسرائيلية تلك قدّمت دائماً دليلاً تلو آخر على ان الحتمي الذي يلي الحرب العسكرية هو صيغ متفاوتة من الاتفاقات والتفاهمات او تحوّل الاحتلال امراً واقعاً. بينما اتاحت اجتياحات ما قبل عام 2006 لاسرائيل الاعتقاد بجدوى الغزوات البرية الدائمة او الموقتة لفرض وقائع ميدانية، قدّمت حرب تموز درساً معاكساً هو فشلها وكلفتها الباهظة وخصوصاً في وادي الحجير. ما ترومه اليوم في مهاجمة حزب الله اضافة دروس الماضي البعيد الى دروس الماضي القريب وهو الطريقة التي ادارت بها حرب غزة. ذلك ما حصل هناك لاشهر طويلة ولما يزل، ويحصل الآن هنا لثلاثة ايام خلت: غارات وحشية بضراوة لا حد لها وبلا توقف على العدو الذي هو حزب الله، لكن ايضاً على مناطق قاعدته. على ان تكون المرحلة التالية بعد الارض المحروقة التأهب لهجوم برّي اذا اقتضت الحاجة اليه.
في ما يدلي به المسؤولون السياسيون والعسكريون الاسرائيليون حيال فرضية الحاجة الى هجوم برّي، ينقسم الرأي بين مؤيد ومعارض على غرار انقسام الرأي من جدوى المضي في الحرب ضد حزب الله دونما ان تفضي حكماً الى تدميره والغائه، وتفادياً لتكرار ما نشأ لاحقاً في الداخل الاسرائيلي عن نتائج حرب تموز 2006.
خمس فرق ولواء نشرها الجيش الاسرائيلي قبالة الحدود مع لبنان في انتظار قرار الهجوم البرّي
مع ذلك، في ظل استمرار هذا الجدل في الداخل الاسرائيلي، والتكهنات كما التقديرات والتوقعات عنه في الداخل اللبناني، تشير حركة المقلب الآخر من جبهة الجنوب الى ان اسرائيل تنتظر المرحلة التالية من الغارات، المقرونة بسلسلة اغتيالات البنية القيادية للحزب، كي تقرر الذهاب الى مجازفة هجوم برّي. توطئة لخطوة محتملة كهذه – وقد لا تحدث – استقدم الجيش الاسرائيلي الى الحدود مع لبنان فرقاً عسكرية (كلٌ منها في الغالب من اربعة ألوية يتباين عديدها بين 10 و20 الفاً) ضمّها الى تلك الموجودة في الاصل كي تمسي خريطته العسكرية كالآتي:
1 – فرقتان اقليميتان منتشرتان على نحو دائم لا تتحركان، هما الفرقة 210 في الجولان الاعلى والفرقة 91 في الجليل.
2 – نشره قبل ستة اشهر الفرقة 36 والحاقها مع لواء غولاني على الجبهة الشمالية بعد سحبها من غزة. كان لواء غولاني نقل من جبهة غزة على اثر معركة خان يونس الى الجولان، ثم اضحى قبالة الناقورة على بعد 20 كيلومتراً من الحدود مع لبنان، من ضمنه وحدات عمل متحركة لعمليات خاصة يمكن استخدامها في اي مكان.
3 – نشر الفرقة 146 للمدرعات وفيها لواءان بعد سحبها من جبهة غزة قبل شهرين على انها قوة دعم احتياطي، بينما استمرت الفرقة 162 في غزة تستنفد قدراتها.
4 – أُلحِقت الاسبوع الفائت الفرقة 98 ووُضعت قبالة الحدود الشمالية جيء بها من الجبهة الوسطى (الضفة الغربية) فيما تركت هناك الفرقة 99 التي تستخدم ايضاً في قتال غزة. تبقى في الضفة الغربية فرقتان ليس في وسع الجيش الاسرائيلي تحريك اي منهما الى مكان آخر.
5 – ابقى على الفرقة 252 المسماة سيناء قبالة الصحراء مع مصر يصعب سحبها من هناك نظراً الى الاهمية الاستراتيجية المنوطة بها في النقب.
6 – لديه فرقتان لدعم الجبهة الشمالية هما الفرقة 80 المسماة «الحمراء» والفرقة 143 المسماة «ثعالب النار»، منوط بهما الدعم عند الحاجة.
في حصيلة توزّع القوى العسكرية، يعوّل الجيش الاسرائيلي لمهاجمة لبنان براً على ثلاث فرق هي 36 و146 و98 مع لواء غولاني معززة بفرقتين ثابتتين في مواقعهما هما 210 و91. الوظيفة الفعلية المفترضة للقوى هذه الوصول الى فرض تسوية على حزب الله بشروط اسرائيلية عبر اجتياح برّي في الغالب هو الرياضة المفضّلة للحزب باستدراجها الى داخل الاراض اللبنانية.