يأتي سقوط حلب مع قرب نهاية عام 2016 لينبئ عن مستقبل محبط للحرب المستعرة في سوريا٬ والأعداد الهائلة من اللاجئين داخل سوريا وخارجها. وتعني النهاية التي وصلت إليها هذه المعركة أن النظام الاستبدادي السوري فاز٬ بمعاونة روسية٬ بحربه من أجل البقاء.
ومع ذلك٬ ليس هناك سبيل واضح أمام نظام الأسد لمحو ما تبقى من مسلحين. وعليه٬ سيستمر القتال٬ وستبقى دويلة سنية صغيرة قائمة.
أما الإخفاقات على صعيد جهود حماية حقوق الإنسان فيما يتعلق بحلب فتكافئ الإخفاقات الأخرى التي شهدتها العقود الأخيرة٬ من سربرنيتشا إلى رواندا.
ومثلما الحال مع أي من هذه المآسي٬ فإن سقوط حلب يحمل أي ًضا دلالة خاصة بالنسبة للنضال الذي وقع في إطاره. بصورة خاصة٬ يكشف انتصار الأسد أنه بدعم من قوة عظمى والتخلي عن أي شعور بتأنيب الضمير٬ فإن باستطاعة أي نظام مسلح تشريد جماعات مسلحة من خارج مناطق حضرية٬ حتى إن كانت تتمتع بتأييد مدني قوي.
من ناحيتها٬ كان بمقدور الولايات المتحدة دفع مقاتلي داعش للخروج من المدن السورية بالاعتماد على أساليب الأرض المحروقة ذاتها.
من الواضح أن الأسد راٍض تماًما عن فكرة أن أبناء حلب٬ لا يعودون قط إلى ديارهم لدى انتهاء الصراع المسلح أو على الأقل انحسار حدته.
وهنا تحديًدا يكمن الدرس الأهم من مجمل حملة القصف التي تعرضت لها حلب: أن «نجاحها» تحقق فقط بنا ًء على فرضية أن اللاجئين السوريين السنة لن يعودوا إلى ديارهم قط. ولن يكون بمقدور أي شخص عانى تحت وطأة هذا القصف أن ينسى ما حدث له٬ على الأقل تاريخ الشرق الأوسط ككل ليست به أمثلة تدعم فكرة النسيان.
من خلال قتل المدنيين٬ يعلن نظام الأسد أنه ببساطة لا يعبأ. إن الأسد يبدي استعداده لتقبل فكرة تضاؤل أعداد سكان سوريا على نحو بالغ. اليوم٬ يوجد قرابة 5 ملايين سوري خارج البلاد. داخل البلاد٬ يبقى هناك نحو 18 مليون سوري٬ بينهم 6 ملايين مشردين. وإذا لم يعد السنة المشردون خارج البلاد قط إلى وطنهم٬ فإن الأسد بالتأكيد لن يأسف لهذا.
وسعًيا لتحسين صورته على صعيد المجتمع الدولي٬ فإن الأسد قد يعلن نهاية الأمر عن ترحيبه بعودة جميع السوريين إلى أرض الوطن٬ بل وقد يعرض عفًوا محدوًدا على بعض من تمردوا ضده٬ لكن يبقى التساؤل: من بإمكانه الثقة في مثل هذا الوعد؟ ومن هم السنة الذين قد يقدمون على اختيار العودة إلى سوريا تحت حكم الأسد بعد المذابح التي وقعت؟
على المدى البعيد٬ قد يسعى الأسد لوضع البلاد بأكملها تحت سيطرته٬ لكن في الوقت الراهن٬ فإن ثمة ميزة سياسية كبيرة من وراء وجود جماعات راديكالية داخل ميدان القتال. من ناحية٬ يساعد ذلك الأسد على الظهور على الساحة الدولية بمظهر البطل الذي يحارب تنظيمي «داعش» و«القاعدة». ومن ناحية أخرى٬ يبرر استمرار الدعم الروسي له. ويعد هذا واحًدا من الأسباب التي قد تدعو الأسد للتساهل حيال ظهور دويلات سنية مثل تلك القائمة في محافظة إدلب لبعض الوقت مستقبلاً
. ويتمثل سبب آخر في أن الأسد ليس بمقدوره إنزال هزيمة كاملة بجماعة «فتح الشام» التابعة لـ«القاعدة» التي تسيطر على جزء كبير من إدلب٬ أو «داعش» أو حتى المسلحين المعتدلين المتمثلين في «الجيش السوري الحر» داخل مراكز حضرية كبرى. إلا أنه داخل المدن الأصغر أو المناطق الريفية٬ تصبح عمليات القصف ذات فائدة محدودة٬ ويتطلب فرض السيطرة على المساحات التي جرى إخلاؤها من المسلحين قوة بشرية كبيرة لا يملكها الأسد.
ويعد هذا تحديًدا واحًدا من الأسباب الكبرى وراء عودة تدمر في يد «داعش» بعد أن سيطر عليها النظام لأشهر. المسألة ببساطة أن الأسد لا يملك قوة بشرية كافية للسيطرة على المدينة. كما أن القوة الجوية الروسية لا تتمتع بأي فاعلية أمام الجماعات المسلحة خفيفة الحركة مثل «داعش».
أما وضع الجيوب الكردية فقصة أخرى. أما النتيجة الحزينة٬ لكن أعتقد أنها حتمية لكل ما سبق٬ أن أزمة اللاجئين السوريين من المحتمل للغاية أن تصبح دائمة حتى إذا وضعت الحرب أوزارها نهاية الأمر بانتصار فعلي للأسد.