إذا كانت الاولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر كما يكرر قول ذلك كل اركان قوى 8 و14 آذار، فلماذا إضاعة الوقت في البحث عن جمهورية جديدة تكون قوية قادرة وعادلة، وهي جمهورية لا يمكن بلوغها ما دام السلاح يتكاثر خارج الدولة، وما دام قرار الحرب والسلم يبقى لقادة حملة هذا السلاح، وانه ما دام لا حل لمشكلة السلاح خارج الدولة، فلا قيام لجمهورية جديدة منشودة.
لذلك على المتحاورين ان يركزوا اهتمامهم على ايجاد آلية تمنع اي حزب او مذهب او فئة من تعطيل الانتخابات الرئاسية ساعة تشاء ولئلا يصبح هذا التعطيل قاعدة او “موضة” عند كل استحقاق، ما يجعل الناس يتساءلون لماذا لا يتعطل انتخاب رئيس مجلس النواب ولا الاستشارات لتسمية رئيس للحكومة؟ فلو أن المشترع خطر في باله انه سيأتي يوم يخالف فيه نواب واجبهم الوطني وروح الدستور لكان لحظ في الدستور نصا صريحا وواضحا يلزم كل نائب حضور جلسات الانتخاب ومعاقبة كل من يغيب عنها من دون عذر شرعي، إما بحسم جزء من راتبه، وإما بإلغاء نيابته إذا تكرر غيابه أكثر من ثلاث مرات، وإما بعدم احتسابه من النواب عند تحديد العدد المطلوب لتأمين النصاب.
لقد صار اتفاق على ان ينتخب رئيس الجمهورية عندما يكتمل نصاب الثلثين في الجلسة، وهو ما اعتمد في انتخاب كل رئيس سابق لأن “موضة” مقاطعة نواب الجلسة لم تكن واردة في ذهن احد كما هو حاصل اليوم، علماً ان رجال قانون يخالفون ما صار الاتفاق عليه، ويعتبرون أن نصاب الثلثين اذا لم يكتمل بعد ثلاث جلسات، فإن انتخابه يتم عندئذ في دورة الانتخاب الثانية بأكثرية النصف زائد واحد.
لذلك فإنه كما صار اتفاق على ان ينتخب رئيس الجمهورية في جلسة يكتمل فيها نصاب الثلثين، فينبغي الاتفاق على وضع آلية للانتخاب تعتمد في كل استحقاق رئاسي، بحيث لا تواجه البلاد عند حلوله ما تواجهه اليوم إما لخلاف على اختيار الرئيس، وإما لخلاف على مبادئ الجمهورية أو على بعض نصوص الدستور، حتى إذا صار اتفاق على مبادئ الجمهورية حصل خلاف على صفات، ومواصفات، رئيس الجمهورية فيستمر الشغور.
أما آلية انتخاب رئيس للجمهورية التي تمنع تعطيل انتخابه ولا تبقى معه ابواب القصر الجمهوري في بعبدا “مختومة بالشمع الأحمر” الى اجل غير معروف، فيمكن إيجازها في الاقتراحات الآتية:
1 – إعطاء تفسير واضح وصريح لنصوص المواد 73 و74 و75 من الدستور لجهة اعتبار انتخاب رئيس للجمهورية أمراً محتوماً لا جدال فيه وذلك بجعل حضور النواب جلسة الانتخاب إلزامياً، وألا يتحول المجلس هيئة اشتراعية الا بعد انتخاب الرئيس.
2 – أن يكون الثلثان نصاباً لجلسة انتخاب الرئيس، وإذا تعذر تأمينه بعد ثلاث جلسات يصبح الانتخاب مقبولاً بأكثرية النصف زائد واحد، أو يتم حل مجلس النواب كما في اليونان.
3 – عدم احتساب كل نائب يتغيب عن جلسة انتخاب الرئيس في عداد النواب الذين يتألف منهم المجلس وذلك تأميناً لنصاب الثلثين.
4 – اعتبار مجرد حضور النائب الجلسة عند افتتاحها كافياً لتأمين النصاب، لا أن يشكل مجرد خروجه منها تعطيلاً له.
5 – عندما يدعى النواب الى انتخاب رئيس للجمهورية عليهم البقاء في المجلس الى ان يتم التوصل الى انتخابه، وذلك على غرار ما يفعله المطارنة عند انتخاب البطريرك، أو الكرادلة عند انتخاب البابا. وهذا من شأنه أن يمنع التدخل من أي جهة في عملية الانتخاب.
6 – أن يستمر رئيس الجمهورية في السلطة بعد انتهاء ولايته إلى أن يتم انتخاب خلف له، وهذا قد يعجل في انتخاب الخلف للتخلص من السلف…
الواقع انه لم يعد مقبولاً ولا معقولاً أن تبقى انتخابات رئيس الجمهورية مهددة كل مرة بالتعطيل لأسباب سياسية محلية أو إقليمية، أو لأسباب حزبية وشخصية لأن هذا التعطيل ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، خصوصاً إذا تعذر تشكيل حكومة تتولى صلاحيات الرئيس موقتاً بالوكالة، أو واجهت الحكومة بعد تشكيلها خلافات تؤدي الى استقالتها، وعندها يكون الفراغ الكامل والقاتل الذي يفتح ابواب الفوضى العارمة والمصير المجهول.
فعلى المتحاورين إذاً أن يتفقوا قبل أي شيء آخر على آلية تجعل انتخاب رئيس الجمهورية أمراً لا بد منه ضمن المهلة الدستورية لأن لا دولة بلا رأس ولا جمهورية.