تدرك معظم الاطراف المعنية بالازمة السورية استحالة تحقق انتصار حاسم لمصلحة اي من الاطراف المتصارعة على الارض. فالنظام متهالك الى حد بعيد، وتحول ما تبقى من الجيش السوري الى ميليشيا بين الميليشيات المتحاربة. والمعارضة اصحبت معارضات، والكتائب المسلحة تكاثرت واحتربت في ما بينها، تارة على نفوذ جغرافي، وطورا انعكاسا لصدام اقليمي بين الدول الداعمة . اما الميليشيات المتدخلة مثل “حزب الله” فقد اقتصر دورها على منع سقوط النظام في مناطق تشكل بوابات مباشرة للعاصمة دمشق، دون تحقيق نتائج حاسمة.
سقط مؤتمرا “جنيف – ١” و”جنيف – ٢”، وتحول المبعوث الدولي – العربي الجديد الذي خلف الاخضر الابرهيمي، ستيفان دو ميستورا، الى وسيط يقتصر جهده على تحقيق وقف نار محدود على مساحات محدودة اطلق عليها وصف “تجميد اطلاق النار”، على ما بدا من مشروعه لمدينة حلب. وقد فُسر جهد دو ميستورا بانه يأتي في سياق اميركي انضم اليه المصريون – وعلاقاتهم مع النظام في سوريا افضل مما يتصور البعض – لتجويف مطلب تركيا بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري تكون ملجأ للاجئين السوريين بحماية دولية، وتستقبل قوات من المعارضة التي يمكن تدريبها في تلك المنطقة وتسليحها لكي تواجه نظام بشار الاسد، حيث ان الهدف النهائي يفترض ان يكون اسقاط النظام في سوريا من دون ان ينتج عن ذلك فراغ يقوم تنظيم “داعش” بتعبئته. يعكس مشروع دو ميستورا اعلانا شبه صريح من المجتمع الدولي بالعجز عن ايجاد تصور لكيفية انهاء الازمة السورية. فلا النظام قابل لاعادة التأهيل، ولا المعارضة بواقعها الحالي قادرة على الامساك بالبلاد كبديل موحد ببرنامج موحد، ولا القوى المسلحة اثبتت، على الرغم من بطولتها الاسطورية في مواجهة كتائب النظام والميليشيات المذهبية الداعمة، انها قوة عسكرية منظمة للامساك بالامن وتحقيق الاستقرار بعد سقوط النظام رسميا، ولا الدول الداعمة للثورة دعمتها كما ينبغي، او تمكنت من وضع خلافاتها الاخرى جانبا لكي تخوض المعركة في سوريا بموقف واحد واستراتيجية واضحة.
كل هذه العناصر تفضي الى استنتاج واحد: ان الازمة في سوريا ستطول، ايا يكن مآل مشروع المبعوث الاممي العربي ستيفان دو ميستورا لـ”تجميد النار” في مدينة حلب.
وفي الاثناء يفترض بالقوى اللبنانية المعنية، و أولها “حزب الله” المتورط في الدم السوري، ادراك حقيقة ان المعركة في سوريا طويلة ومكلفة جدا، والاجدر بـ”حزب الله” ان ينسحب من هذه الرمال المتحركة كي لا ينتهي به الامر بأن يتحول الى حزب لدفن القتلى بالمئات والآلاف.