IMLebanon

لِئلا تُباع دماءُ الشهداء… أمواتهم والأحياء!

10 سنوات مرَّت، وعملية الإخضاع مستمرة: عندما يستعصي تطويع لبنان، بمسؤوليه وسياسييه ونخبة مفكريه، يكون الخيار الأنسب حذفهم من المعادلة.

من الشهيد الحيّ الأول مروان حمادة في خريف 2004، إلى الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ثم قافلة الشهداء الأموات والأحياء من 2005 إلى اليوم، وتحديداً إلى يوم اغتيال اللواء وسام الحسن في 2012. وفي مثل هذا اليوم من العام 2005، حاول أعداءُ السيادة والاستقلال إزاحة نائب رئيس مجلس الوزراء، الوزير السابق الياس المرّ.

شاءت العناية الإلهية أن ينجوَ الياس المرّ، وأن يكملَ مسيرته الوطنية والسياسية، حاملاً جروحاً خلّفها عصف الانفجار وتركت آثاراً في جسده، يوازيها إيمانٌ عميق بالله ولبنان. ودفع ضريبة خياراته السيادية الجريئة وتمسُّكه بالمبادئ والمصالح الوطنية.

حتى اليوم، لم تظهر الحقيقة في ملف الياس المرّ وكلّ الملفات الأخرى. ولكن، تجدر الإشارة إلى أنّ قرائنَ عدّة ظهرت حول الجهات الضالعة في الاغتيالات ومحاولات الاغتيال، وهي تحتاج إلى إثبات، إلّا واحدة هي اعترافات الوزير السابق ميشال سماحة. فهي من نوع الأدلّة الدامغة.

ويمكن للباحثين عن الحقائق أن يراهنوا على المحكمة الدولية لكشف الحقائق ذات يوم، لكنّ الحُكم الهزيل الصادر محلياً على سماحة، قبل تمييزه، زرع الشكوك في قدرة بعض القضاء اللبناني على بلوغ الحقائق «العميقة».

اليوم، مرَّ عامان ونصف العام على آخر عملية اغتيال (الشهيد الحسن). لكنّ المتابعين للأمن يحذّرون: لا تستكينوا. فالمخطط لم يتوقف. واليد التي نفَّذت الاغتيالات جاهزة في أيّ لحظة لعملية جديدة، إذا اقتضت مصلحتها ذلك. ولا تنخدعوا بالتوافق السياسي الحاصل. فلطالما حصلت اغتيالات في ظلّ حكومات التوافق وجلسات الحوار.

واليوم، تنتاب الأجهزة الأمنية هواجس انفجار أمني، خصوصاً مع بلوغ الأزمة السياسية جداراً مسدوداً. فهناك قلق من استغلال أيّ طرف هذه الأزمة والغوغاء التي يمكن أن يشهدها الشارع، لضرب الاستقرار مجدداً. وربما يتمّ استهداف شخصيات سياسية ورسمية ذات مواقع حسّاسة لإسقاط المؤسسات وتعميم الفوضى.

وثمّة مخاوف من دخول عوامل أخرى على الخط أيضاً، ولاسيما خلايا الإرهاب التكفيري التي تحوم الشكوك في وجود تقاطع للمصالح بين بعضها وبعض الأنظمة الإقليمية.

إذاً، الحرب على الدولة ومؤسساتها وأجهزتها مستمرة. ولكن من سخريات المشهد، أنّ أهل الدولة يتجاهلون كم كلّف تحرير هذه الدولة من الوصاية، وينشغلون بالنزاع المرير حول السلطة.

يُقال إنّ الثورات تأكل أبناءها. وهي تأكل أبناءها، عادةً، عندما تنتصر. وأما في لبنان، فالثورة تأكل أبناءها قبل أن تنتصر وينتصروا. ولذلك، يجدر بالذين يتنعّمون اليوم برفاهية السلطة أو بالمساومات حول الحصص والكراسي أن يتذكّروا:

هذه الدولة مدفوع ثمنها دماً من خيرة رجالات لبنان، من شهداءٍ أموات وأحياء، «عوقبوا» لأنهم قالوا نعم للسيادة والاستقلال والكرامة الوطنية، مثلما عوقبت النخبة التي عَلَّقها جمال باشا السفّاح على أعواد المشانق في ساحة البرج قبل 100 عام.

أولئك أنجزوا بدمائهم لبنان الكبير واستقلاله الأول وصيغته الفريدة. فأيّ لبنان سيولد بدماء شهداء ثورة الإستقلال الثانية، وأيّ صيغة؟

لا يموت الشهيد عندما يسقط في المرة الأولى. يموت الشهيد إذا سقط مرَّة ثانية، بسلاح الأهل لا بسلاح العدوّ.

المهم أنْ لا يموت شهيدنا مرتين. المهم أنْ لا يبيع أحد دماءه… بثلاثين من فضة السلطة!