يختصر المقلب الجديد من أزمة النفايات بما ينطوي عليه من التباس داخل الحكومة اولاً ومن ثم على مستوى المواجهة الحكومية مع موجات الرفض الشعبية المتصاعدة لخطة الوزير أكرم شهيب مأزقين يضعان الحكومة والتحرك الاحتجاجي امام وقائع غامضة وخط بياني ينذر بمزيد من الفوضى.
الالتباس السياسي الناشىء عن إقرار الحكومة خطة شهيب يفضح معركة اللكم تحت الزنار الجارية بين القوى الحكومية او بعضها على الأقل في تصفيات سياسية باتت تتكشف تباعاً عن أفدح ما يمكن تصوره في توظيف أزمة خدماتية عامة كأزمة النفايات للضغط من اجل تحقيق مآرب سياسية اكبر، بدليل التذبذب التي يطبع سلوكيات الازدواجية التي تتبعها افرقاء الاعتراض والتعطيل داخل الحكومة. تراوح هذه السلوكيات بين عدائية ظاهرية احياناً حيال التحرك الاحتجاجي “المدني” وتوظيف فاقع لبعض اتجاهاته احياناً اخرى. وتبعاً لذلك من غير المستبعد في وقت قريب ان يجد الوزير الاشتراكي الذي نجح في وضع خطته في موقع زميله وزير البيئة محمد المشنوق ولو لم يطالب التحرك “المدني” باستقالة شهيب. ولكن في حالتي المشنوق وشهيب تعود الازمة الى دوامة الغموض المدمر المتصل اولاً وأخيراً بطبيعة القرار السياسي الذي لم يوفر الغطاء للمشنوق فوضعه في مواجهة الغضبة الشعبية فيما وفر غطاء ملتبسا لشهيب فإذا به امام الاستعصاء إياه.
واما التحرك الاحتجاجي فسرعان ما سيجد نفسه أيضاً امام حالة لا تختلف عن حالة اهل السياسة والحكم الذين يناهضهم اقله من ناحية محاذير الدوران في دوامات العقم. يحتاج هذا التحرك الى مرونة كبيرة لتظهير مكاسبه بالتراكم باعتباره تحركاً ضاغطاً محقاً فجره الفساد وانعدام المحاسبة داخل المؤسسات فكانت المحاسبة في الشارع. ولكنه محكوم بكونه قوة مراقبة وضغط على السلطة وليس سلطة “ثورية” تستنبط قوانينها المتعددة الرؤوس لئلا يسقط في مزالق التنافس واستدراج البلاد الى الفوضى. تبعاً لذلك يبدو تشتيت المعارك الجانبية لهذا التحرك أشبه بدس قشر الموز تحت أقدامه خصوصاً اذا اقترن ذلك بتحركات ارتجالية غير محسوبة. واذا كان بعض الجماعات لم يحتمل سؤالاً صحافياً عن البديل من خطة النفايات فهل سيتسع “التحرك” لاحقاً للأكثر والاكبر من التساؤلات المشروعة ما دام صار ملزماً بدوره تقديم الأجوبة عن التباسات تحوط اتجاهاته؟
ثمة كثيرون يجتاحهم الحنق ايضاً حيال مخالفات الاملاك البحرية كما سواها من وقائع فرضت بتراكم السنين، ولكن ماذا لو كان هؤلاء يتخوفون من اتجاهات فوضوية تتجاوز التعبير المحق بدأت ترتسم لدى بعض “التحرك”؟ وهل سينال المتخوفون التهمة الجاهزة بأنهم فاسدون ايضاً؟ وماذا عن الأفخاخ التي قد تنصب للتحرك اذا لم يحسّن تثبيت مكاسبه بالتراكم الثابت والمتواضع وانجرف نحو ديكتاتورية مقنعة على غرار معظم “أعدائه”؟