مع تقدّم الحل التفاوضي الرامي إلى المقايضة بين الدولة اللبنانية و«التنظيمات الإرهابية» بغية حل قضية العسكريين المختطفين عند «داعش» و«جبهة النصرة»، تبقى المخاوف تحوم حول انعكاسات هذه الأحداث على الداخل اللبناني خاصة أنها هادفة لزرع الفتن وإثارة النعرات بين اللبنانيين حتى تبقى ساحتهم مفتوحة لكل الاحتمالات وجاهزة لكل السيناريوهات!
أما الخوف الأكبر فهو من قدرة الدولة على مواجهة هذه الفتنة في حال اندلعت، حيث سقط الانسجام الرسمي منذ فترة، وتشرذمت وحدة الصف خلف المؤسسة العسكرية في دهاليز الاستثمار الطائفي والشعبي الرخيص! أما تزاحم الاستحقاقات بين العودة إلى المجلس النيابي للتشريع قبل أو بعد انتخاب رئيس للجمهورية، فهي حكاية إبريق الزيت التي لن تنتهي!
إن شغور رأس السلطة في لبنان، وفي هذه الظروف تحديداً، أضعف الدولة وهيبتها محلياً وفي المحافل الدولية، وعطّل سائر المؤسسات الرسمية تحت ذرائع عديدة ومتنوعة، وكأنه جزء من المخطط الذي يُرسم للمنطقة والذي يُشكّل لبنان جزءاً من فسيفسائها المعقدة.
وبالرغم من الضوء الأخضر وفتح باب التبادل مع «داعش» و«النصرة»، يبقى ملف الأسرى العسكريين الأكثر حساسية في الوقت الراهن، بما أن حيثياته الشعبية غنية طائفياً، ولا ثالث للحلول أمام السلطات اللبنانية: إما المفاوضة والتبادل أو اللجوء للحل العسكري لمعالجة هذا الملف.
على أمل أن يفتح «باب التبادل» نافذة أمل لنهاية سعيدة لملف إنساني وطني بامتياز، تبقى الملفات الساخنة على نار حامية، بدءاً من إعادة الحياة للمجلس النيابي، مروراً بالأزمات المعيشية الضاغطة من ماء وكهرباء وسلسلة رتب ورواتب معلقة، وصولاً إلى أمن ذاتي مستشر بعد فقدان الأمن والأمان.. ومع انتشار غير مسبوق للسلاح غير الشرعي في مختلف المناطق وعند كل الطوائف!
على ما يبدو انتقل لبنان من مسار رحلة الألف ميل لبناء الدولة الحرّة والمستقلة إلى المسار المعاكس من رحلة المئة ميل للقضاء على ما تبقى من مفهوم الدولة والممارسات الشرعية لمؤسسة تمّ إفراغها بشرياً وتعطيلها إدارياً.. حتى يجاري دول الجوار الذاهبة إلى التهلكة لا محال.. إلى أن تتم الصفقة الدولية الكبرى، والتي ليست على عجل، فيكون الوطن الصغير جزءاً من التسوية الكبرى.. وربما بأرخص الأثمان!