IMLebanon

ليكن الله في عون فارس سعَيد

الخبر قد يكون مؤسفاً لأبناء “ثورة الأرز” بعدما تهلّلت وجوههم فرحاً بالصورة الجامعة لقادتهم الأحباء على منصة “البيال”.

لن تفيد أي مراجعة نقدية للذات إذا كان من يفكر في الإقدام عليها والإنخراط فيها راسخ الإعتقاد متأكداً أنه لم يرتكب خطأً يستوجب عدم تكراره والاكتفاء بوضع الحق على غيره وإرضاء نفسه بالإدعاء أن الآخرين فهموه خطأً، لا بل ويتجنون عليه بتفسير مواقفه وأفعاله بغير ما هي، والزعم أن هؤلاء هم الملومون، أما هو فمواقفه وقراراته ناصعة البياض لا غبار عليها. أي طالب سنة أولى علم نفس يعرف أن من يريد تقويم اعوجاج في نفسه يحتاج إلى إدراك مدى الخطأ الذي ذهب إليه، وأي كاهن يعلم بأن الإعتراف بين وقت وآخر لا يغيِّر سيرةً في حال لم يكن المعترف مدفوعاً بتوبة عميقة.

إذا كان الإقتناع بأن الآخرين على خطأ منطلق المراجعة النقدية الداخلية عند كل معني بالدعوة التي أطلقها من “البيال” أمس الرئيس سعد الحريري إلى “تيارالمستقبل” وكل قوى 14 آذار، فلا ضرورة لهذه المراجعات لأنها ستكون مزيداً من تضييع وقت. الأمانة العامة لقوى 14 آذار التي سمّاها الرئيس الحريري، وخصّ بالذكر منسقها الدكتور فارس سعَيد، تحتفظ على رفوفها بمجلدات من خلاصات الخلوات والندوات المقفلة والمشاورات والدراسات والمشاريع والتصوّرات والرؤى، دبّج معظمها وراجعها الأستاذ سمير فرنجية ورفاقه وكلها ذهبت هباءً وأدراج الرياح عند كل محطة توقف عندها أفرقاء “التحالف”.

لا شك أن فرنجية – الذي يفكّر وينظّر ويكتب – تساءل مراراً بينه وبين نفسه، وعلناً في الأشهر والأسابيع الماضية أكثر من أي وقت، عمّا هو هذا التحالف الذي يهتز ويكاد يقع عند أول اختلاف على مقعد نيابي أو وزاري، أو عند تشكيل أي حكومة ووضع كل بيان وزاري، وكل حدث سياسي كبير في البلاد؟

وما نفع المراجعات النقدية الداخلية وغير الداخلية إذا كان كل طرف في التحالف لا يعدم ذريعة لتبرير تفرده في القرار والذهاب به بعيداً من منطلق حساباته ومصالحه الذاتية، أو من تطلع إلى ما يكسَب في طائفته وما يرضيها، وكيف يحقق نقاط تقدم على حلفاء وخصوم له فيها، وإن على حساب كل ما تقدم من شهادات تخضبت بدم وخيبات تلو خيبات؟

بصريح العبارة أكثر: بالأمس في الذكرى العاشرة لـ”انتفاضة الإستقلال” المجيدة (2015)، نظمت الأمانة العامة لقوى 14 آذار خلوة لـ”ترتيب الذاكرة” ضمنتها عرضاً بالتواريخ المتسلسلة لأهم الأحداث التي مر بها لبنان والقوى المتحالفة. تبيّن من العرض أن التفرد بالقرار ولو على خطأ أحياناً، وطغيان المصالح الحزبية، والرغبة في تكبير الأحجام والأدوار على حساب الحلفاء الآخرين كما على حساب المستقلين، أو “غير المنتمين إلى أحزاب”، كانت من أبرز أمراض الحركة الإستقلالية. خلصت الخلوة إلى توصيات من بينها إنشاء “المجلس الوطني لقوى 14 آذار”. ماذا حصل بعد “ترتيب الذاكرة”؟ الأرجح أن المعنيين بالموضوع لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءته حتى، لا بل أن أطرافاً في قوى 14 آذار بدوا كمن فقدوا ذاكرتهم وهم يتعصبون في تأييد ترشيح رمزين من الطرف الآخر (8 آذار) الذي يقولون إنهم يواجهونه عاقدي العزم على إحباط مخططاته ومشاريعه المسيئة للبنان، ولفكرة وجود دولته في الأساس.

لذلك ولغيره من الأسباب، قبل الخوض في المراجعات النقدية الداخلية يتوجب على المعنيين بها الإجابة بينهم وبين أنفسهم أولاً عن أسئلة محددة، وإلا “فبلاها” وليذهب الجميع إلى انفصال يظل أفضل كلما كان عاجلاً:

الرئيس الحريري: هل سأظل أفاجئ رفاقي وحلفائي بقرارات تعنيهم جداً، وأعلم أنها “تخرج بعضهم من ثيابه”، مثل دعم النائب سليمان فرنجية للرئاسة، وقبل ذلك العديد من الخطوات المشابهة؟

الدكتور سمير جعجع: هل سأظل أغلّب كل مدة “النزعة المسيحية” على التحالف الوطني اللبناني الواسع، وأتخذ من خطأ يرتكبه حليفي المسلم الرئيسي عذراً ومبرراً لارتكاب خطأ أعظم في حق كل من أيّد “ثورة الأرز” وأهدافها النبيلة؟

في أي حال، ليكن الله في عون الدكتور فارس سعَيد. يبدو “ما في غير طَنسا بهالجيش”.