تنتهي عطلة العيد المبارك والسجال الكبير حول المسؤولية في مصير العسكريين مطروح على نطاق واسع خصوصاً وأنّ القضية برمتها أحالها رئيس الجمهورية على التحقيق.
أي تحقيق؟ هل هو عسكري؟ هل هو قضائي؟ هل هو نيابي؟
هل هو مزدوج: من جهة تتحرك النيابة العامة التمييزية، كما بات متوقعاً، خلال الأيام القليلة المقبلة في ما تبقى من هذا الأسبوع، أو ربما في الأسبوع الذي يليه، ومن جهة ثانية وعلى صعيد التحقيق النيابي فهناك إتجاه كبير الى تشكيل لجنة نيابية موسّعة تشارك فيها الكتل النيابية بمعظمها إن لم تكن كلها مشاركة. صحيح أننا درجنا على القول، في لبنان، إن «اللجان هي مقبرة المشاريع». إلاّ أن الوضع، في هذه الأيام، مختلف… ذلك أنّ الخلافات الشديدة والعميقة ضاربة أطنابها بين القوم، لدرجة يبدو أنّ تغليب الأحقاد سيتقدم على سواه… خصوصاً وأنّ للتحقيق وجهين ليس يُدرى، بعد، ما إذا كانا متكاملين أو متناقضين… فثمة من يطالب بالتحقيق في قضية «الجرود» منذ نشأتها وبالذات في من يتحمل المسؤولية عن السماح بمغادرة بلدة عرسال وبرفقتهم العسكريون بأعدادهم الكبيرة (من الجيش وقوى الأمن الداخلي)…
وفي المقابل ثمة من يطالب بمعرفة الحقيقة وبتحديد من يتحمل المسؤولية عن السماح للإرهابيين بمغادرة جرود عرسال سالمين، وفي «باصات مبرّدة» (كما يطيب لكثيرين أن يردّدوا) من دون أن يدفعوا ثمن اعتدائهم على الجيش ومحاربتهم هذا الجيش بعد عمليات إرهابية عديدة استهدفت العسكريين والمدنيين على حد سواء. خصوصاً لأنهم مسؤولون عن استشهاد العسكريين الذين أعدموهم ذبحاً أو رمياً بالرصاص، إضافة الى ممارسة أبشع التشنيع بالجثث.
الثابت حتى الآن أنّ التحقيق الذي قال به رئيس الجمهورية سيكون قضائياً. أما إذا أراد مجلس النواب أن يشكل لجنة التحقيق الخاصة به فهذا شأنه وفي نطاق سيادته على نفسه، علماً أن هكذا لجنة ستكون غالباً مؤلفة، في معظمها، من النواب المحامين الذين ينتمون الى مختلف أطياف المجلس النيابي واستطراداً من مختلف ألوان الطيف الوطني الطائفي والسياسي.
وليس سراً أنّ ثمة خلافاً عميقاً في النظر الى الموضوع بشقيه. ففريق 8 آذار وحلفاؤه يقولون بالتحقيق في «أصل» المسألة. أي في المنطلق المتعلق بالعسكريين واختطافهم واستشهادهم ابتداء من مطلع شهر آب 2014. وفريق 14 آذار (علناً أو ضمناً) يثير بالصوت العالي مسألة السماح للإرهابيين بمغادرة جرود عرسال. كما أنه ليس سراً أن فريق 14 آذار غير موحّد الصف إزاء إخراج الإرهابيين من الجرود. فالرئيس سعد الحريري قال، في باريس، إن هذا الأمر حصل بموافقته شخصياً وبموافقة رئيس الجمهورية بينما يدعو الدكتور سمير جعجع إلى التحقيق في هذه النقطة بالذات.
في أي حال إن «تحقيق الجرود» يجب أن ينطلق ويتواصل بشفافية تامة. فإذا كان لابدّ منه فالمطلوب أن يمضي تحت سقف الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة «التي تحرِّركم» كما يقول الإيمان المسيحي، وكما ردّد الرئيس العماد ميشال عون في ختام كلمته الموجهة الى اللبنانيين والتي كانت الغاية منها اعلانه فتح التحقيق في مسألة الجرود.
«تحقيق الجرود» يفترض أن يكون مدخلاً لسلسلة تحقيقات تتناول خصوصاً قضية المخطوفين المفقودين في الحرب منذ العام 1975 توخياً «للحقيقة» والحقيقة وحدها، وليس لأي أهداف أخرى. ولن تنتهي تداعيات حرب السنتين الوطنية والإنسانية إلاّ بجلاء الحقيقة.