كتاب المؤرخ كمال الصليبي بعنوان بيت بمنازل كثيرة، يستحقُّ عنوانه أن يكون أيضاً لكتابٍ ليس عن التاريخ بل عن الحاضر الراهن:
البيت هو لبنان، والمنازل كثيرة هي هذا الفرق الشاسع بين البحبوحة والبذخ في مكان، والفقر والعوز في مكان آخر، والمفارقتان تحت سقف واحد هو الدولة اللبنانية.
وحين يكون هذا الأمر على هذه الدرجة من الوضوح، فهذا يعني أنَّ الشمس شارقة والناس قاشعة ولم يعد هناك أيُّ شيءٍ يمكن إخفاؤه عن الناس.
***
قد يقول قائل:
وما بالكم مستعجلين؟
فالحكومة لم تُشكَّل بعد، وبعد تشكيلها ونيلها الثقة وبدئها العمل تبدأ المحاسبة.
فات هؤلاء أنَّ الحكم استمرارية، والكلام ليس عن حكومة لم تولَد بعد بل عن حكومة تولَّت السلطة التنفيذية على مدى عام ونصف العام، فبقي الهدر والفساد مستشريين في إدارات الدولة، وهذا الكلام ليس مبالغاً فيه بل إنَّ الوقائع تثبته كل يوم.
صيفٌ وشتاء فوق سقف واحد، بذخٌ وحاجة في إدارات واحدة، لكن الجامع المشترك بين كلِّ هؤلاء أنَّنا في بلدٍ يئنُّ تحت وجع أكثر من ثمانين مليار دولار ديناً، فيما بعض مَن هم في الإدارات الرسمية أو الإدارات العامة المملوكة من الدولة يتصرفون ويُبزِّرون وكأننا في بلد حجم الصندوق السيادي فيه يتجاوز الألف مليار دولار من المدخرات!
نسارع إلى المطالبة بأن يضع فخامة الرئيس العماد ميشال عون يده على ملفات الهدر والبذخ، وهما وجهان لعملة واحدة هي عملة الصرف من كيس الدولة فيما الدولة تئن من العجز.
وإذا سأل أحد عن الملفات التي يجب أن يضع فخامته يده عليها، فهذه عينة منها:
إذا كان تحسين التغذية بالتيار الكهربائي ليس في متناول اليد سريعاً، فهذا يعني أنَّ اللبنانيين سيبقون تحت رحمة أصحاب المولِّدات.
ضعوا حداً لهذه المافيات من خلال تركيب العدادات اليوم قبل غد، هكذا يدفع اللبناني مقدار ما يستهلك، وليكن تركيب العدادات في شهر بعدما تأخر لدواعٍ ملتوية لأكثر من ستة أشهر، فهل من استفاقة قبل فوات الأوان؟
***
وهناك ملفُّ التجنيس، تقول المعلومات أنَّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم شارف على الإنتهاء من وضع ملاحظات الأمن العام، بعد إنجاز هذا الملف، ألا يجدر كشف المسؤولين الذين تلقوا الأموال من طالبي الجنسية لتمرير بعض الأسماء في صفقة المرسوم؟
عارفو الرئيس عون يؤكِّدون أنه لن يسكت عما جرى، خصوصاً أنَّ توقيعه على المرسوم، مع التوقيعين الآخرين، أوقعه في إحراج لا يقبله ولا يريده وهو يلاحق ويتابع مَن يقف وراء هذا الإحراج الذي لا يُغتفر.
***
يعرف القاصي والداني أنَّ الرئيس عون على عداء مستشرس مع الفساد ومع البذخ من أموال المكلَّف اللبناني الذي يدفع الضرائب لتحسين أوضاع الدولة لا أوضاع بعض الناس فيها.
فخامة الرئيس العماد ميشال عون لا تنتظر أحداً:
اضرب بيدٍ من حديد والشعب معك، أما ماذا ستكون عليه ردة فعل السياسيين والمنتفعين، فهذا ما يجب أن يكون آخر همومك، المهم ردة فعل الناس وفخامتكم واحدٌ منهم.