لا نعتقد ان تعبير “الانتحار” الذي ردده الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط في معرض الحض على مشاركة الكتل المسيحية في الجلسة التشريعية كان في مكانه، ولو صح ان تداعيات شديدة السلبية تتربص بلبنان في حال تخلفه عن التصديق على مشاريع مالية ومصرفية ذات صلة بمكافحة الارهاب. اذ ان مسألة “الانتحار” هذه متى حان وقت إثارتها جدياً يفترض ان تطرح مجمل التراكمات التي أدّت الى حشر لبنان الآن في خانة توقيت قاتل وجد نفسه فيها أمام استحقاق اكبر منه بكثير لئلا يواجه المحظور القاتم. بدأت حلقات الانتحار بهذا المعنى بتعطيل الانتخابات الرئاسية واستتباعاً بتعطيل الحكومة والمجلس وشل كل قدرات الدولة. ولم يصل الوسط السياسي الى استحقاق التخيير بين تمرير المشاريع المالية المتصلة بالارهاب وعزلة لبنان الا بفعل إهمال قاتل للاستحقاقات لأن لبنان ترك دولياً لمصيره فاستطابت معظم قواه لعبة اللهو بالوقت وقتله ولم تحسب للحظة قد تأتي بمثل هذا الاستحقاق الداهم. كانت الازمات تتيح للقوى السياسية ذاك الترف الذي كشف طبقة سياسية شديدة الأنانيات، الأمر الذي نجم عنه معادلة الشلل التي بات معها انعقاد مجلس الوزراء ومجلس النواب اشبه باستحالة فعلية. كان ذلك واقعياً هو الانقلاب الذي اطاح النظام الدستوري اسوة بإفراغ رئاسة الجمهورية منذ ١٧ شهراً.
مع ذلك، ورغم كل ذلك، لا يسوغ مجمل هذا الواقع لأفرقاء مسيحيين وازنين الذهاب في لحظة الحشرة هذه نحو استحداث أزمة اشد سوءاً كان يمكن تسويغها وتبريرها لو اتصلت بقواعد الصراع الداخلي التقليدي ولكنها تتجاوز كل ذلك الى تهديد فعلي لمصالح اللبنانيين. بل أكثر من ذلك، لسنا نعتقد اطلاقا ان منطق الاولويات الأشد إلحاحاً الآن يمس عَصب الناس عندما يصبح الخيار بين انقاذ حتمي من عزلة مالية ومصرفية دولية والبحث في جبال الخلافات والأجندات عن مشروع لقانون الانتخابات يعرف القاصي والداني ان دون التوصل اليه ما يشبه الاستحالة نفسها التي ابقت قصر بعبدا خاوياً منذ ٢٥ أيار ٢٠١٤ والحبل على الجرار. وان كنا من المبتهجين والمهللين لثبات ترجمة “اعلان النيات” بين فريقيه، فإننا نود مع كثيرين ان نرى تحالف الإعلان هذا يتنازل للبنانيين ومصالحهم الحيوية في اللحظة الحاسمة لا لأفرقاء سياسيين على هذه الضفة او تلك علّ ذلك يشكل طليعة نمط سياسي مختلف لا يقيم اعتبارا لحسابات التمترس متى فرضت مصالح الناس الحيوية تجاوز كل انواع هذه الحسابات.
ولعلنا اخيرا لا نرى حاجة الى التذكير بأن الطريق الأسرع لتعطيل التعطيل يبدأ بانكشاف ذوي السياسات الازدواجية حين يهرولون الى جلسة تشريعية إنقاذية احكموا الحصار على مثيلاتها لانتخاب رئيس فباتوا الآن يطبلون في عرسها!