IMLebanon

لننظر في المستقبل الذي نصنع

تسري قشعريرة جليدية في الأوصال عند النظر إلى هول ما تحمله الأعوام المقبلة لبلادنا العربية في المستقبل القريب، بعدما فتح سكان هذه المنطقة صندوق باندورا على انفسهم وعلى العالم.

يقترب «تحرير» الموصل من داعش، بيد ان البدائل لا تبشر بخير. ذلك ان الشرخ العميق في العراق يزداد عمقاً وينذر بحروب مقبلة سنّية – شيعية وشيعية –كردية وكردية –كردية، قد تبدو معها الجولة مع «داعش» مجرد افتتاحية لما يخبئه الانهيار الشامل للدولة والمجتمع العراقيين.

وبعد ست سنوات من الثورة السورية، خبت الآمال بالتخلص من نظام استبداد سلالي متوحش وبات أكثر المتفائلين بمستقبل الثورة على استعداد للقبول بـ «الحفاظ على مؤسسات الدولة» وعلى رأسها الأشخاص ذاتهم الذين أمروا بقتل المتظاهرين السلميين وقصف المدن بالمدفعية والطائرات وإطلاق الغازات السامة على القرى المنتفضة. بعد أكثر من نصف مليون ضحية، وملايين اللاجئين والمهجرين، تمر تصريحات رأس النظام عن «زيادة انسجام المجتمع السوري»، المساوية للاحتفال بنجاح التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، من دون ان تهز شعرة في رأس حرّاس العالم الحر.

دعونا ولو لبرهة من التفسيرات الجيوبوليتيكية والمخابراتية والتآمرية ومن خذلان العالم لشعوبنا المقهورة ومن خِسّة الإدارات الأميركية والأوروبية في التعامل مع مآسينا واستغلالها. دعونا ليوم واحد فقط، هو يوم الذكرى السادسة لانطلاقة الثورة السورية، نتأمل في المسؤولية الذاتية التي لا يرغب كثر في تحملها ويرتاحون الى إلقائها على الآخرين، كل الآخرين، فيما تنجو الذات المعصومة من أي مساءلة او محاكمة او نقد.

فلنتجرأ على القول إن فشل الثورات العربية وانقشاع الأفق العربي الذي كان ملبداً ببعض الأمل عن حروب اهلية لا نهاية لها، لا يعود كله الى خبث المؤامرات الخارجية ونكوص باراك اوباما عن نجدة اهالي الغوطة يوم نكبتهم بالقصف الكيماوي. وإن إخفاق محاولات التغيير الديموقراطي في مصر واليمن، نجمت عن عوامل محلية أكثر مما تسببت بها تدخلات من الخارج. وإن الطريق المسدود الذي يرابط لبنان فيه منذ اكثر من عشر سنوات يعلن فشل التسوية التي أنهت حربه الأهلية وعسر الانتقال من نظام المحاصصة الطائفية الى آخر اكثر عدلاً، خصوصاً في ظل الميليشيات المسلحة والعصبيات الفالتة من كل عقل وعقال.

المحزن أكثر، أن بلادنا المبتلية بأنظمة حكم تنتمي إلى القرون الوسطى (على الأقل وفرنا على اسرائيل القيام بهذه المهمة، وفق ما هدد أحد المسؤولين فيها بإعادة لبنان الى تلك الحقبة التي يفترض ان فيها ما يخيفنا) تراقب بدهشة صعود الشعبويات في اوروبا والولايات المتحدة، من دون ان نملك أبسط آلية ضبط ورقابة من تلك التي تُعلّق الآمال عليها من قضاء قادر على رسم حدود الأوامر التنفيذية الصادرة عن البيت الأبيض، مثلاً، أو صحافة تدقق وتحقق في كل كلمة يقولها الموظفون الرسميون، او حتى جمهور يتوجه الى صناديق الاقتراع لإنقاذ بلده من مصير مظلم على نحو ما فعل الهولنديون قبل يومين.

المفارقة ان المنادين عندنا بـ «حق الشعوب في تقرير مصيرها» يمتنعون عن رؤية الجانب الآخر من الشعار: واجب الشعوب في تحمل مسؤولياتها عن مصيرها الذي تقرره. وما المفارقة هذه غير واحدة من ممارسة مديدة للاجتزاء والابتسار لمفاهيم وشعارات ونظم وقوانين، لم تلد لنا سوى أنظمة الاستبداد والتخلف والتهرب من المسؤولية بكل أشكالها وتبعاتها.