IMLebanon

فلنضرب الحديد.. حامياً!

شكلت الانتخابات البلدية نقلة نوعية في تصعيد المواجهة مع السلطة، فبعدما أوصلت الغالبية العظمى من الناس رسالتها المطالبة بالتغيير بقوة عبر الحراك الشعبي الذي سبق الانتخابات، والذي كان حزبنا مكوناً أساسياً من مكوّناته، فقد استكملت هذه الرسالة عبر الاقتراع ضد لوائح السلطة، أو الإحجام عن التصويت عندما لم يتبلور أمامها البديل.

إن مراجعة متأنية لنتائج الانتخابات البلدية تشير إلى المنحى الانحداري الذي باتت تعيشه قوى السلطة بمختلف مكوّناتها، حيث كشفت هذه الانتخابات عن حالة انفكاك فئات شعبية واسعة عنها، وعن ثنائياتها الإلغائية وصلت إلى حد مواجهتها بتشكيل لوائح انتخابية ضدها.

وأكثر من ذلك، فبعض هذه القوى تعرّض لحالة تفكك داخلية في أكثر من منطقة تم التعبير عنها بحالات تمرد لقيادات في داخله، أو بحالات إحجام جمهوره عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، أو امتنع هو حتى عن خوض المعركة الانتخابية باسمه في محافظة بكاملها، وبعضها الآخر بات لدى جمهوره اقتناع متزايد بأن المقاومة ضد الاحتلال وقوى الإرهاب الظلامي لا تكفي وحدها ما لم تتكامل مع قضية التنمية وبناء الدولة المدنية الديموقراطية المقاومة البعيدة عن الفساد والمحسوبيات والمحاصصة، باعتبار ذلك شكلاً من أشكال المقاومة ومحصناً لها ولانتصاراتها، وتيارات أخرى طالما رفعت شعار الإصلاح والتغيير صدمت جمهورها بثنائية إلغائية وتحالفات وصولية مع الذين كانت حتى الأمس القريب تتهمهم بالفساد، فارتد الأمر عليها وانعكس ذلك في صناديق الاقتراع.

لقد قدم حزبنا ومعه قوى اليسار والتغيير الديموقراطي من خلال الانتخابات البلدية، صورتهم كتيار وطني ممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، من خلال مشاركتهم ترشيحاً واقتراعاً في المناطق التي يتواجدون فيها على اختلاف تلاوينها وأطيافها. وهذا الانتشار الجغرافي على امتداد مساحة الوطن أعطى الحزب ومعه هذا التيار الديموقراطي الواسع أحد عناوين تظهير موقعه السياسي المستقل الموحد لشعبنا بمواجهة كل الثنائيات المذهبية الإلغائية.

وعلى الرغم من الإمكانيات المتواضعة، إن لم نقل المعدومة، فقد خاض الشيوعيون الانتخابات البلدية باللحم الحي في مواجهة هذه الثنائيات التي قدر البعض إنفاقها بما يقارب الـ75 مليون دولار؛ فقد حقق الشيوعيون واليسار عموماً والديموقراطيون وقوى الحراك المدني والشعبي والمستقلون، تقدماً واضحاً، فتح الباب لإطلاق حركة شعبية ديموقراطية قادرة بوحدتها على متابعة المعركة مع قوى التطرف والعصبيات الطائفية والمذهبية والعائلية وعلى تعديل موازين القوى وإحداث الخرق المطلوب في بنية النظام الطائفي والمذهبي.

لقد شكلت المواجهة في الانتخابات البلدية، تتويجاً طبيعياً وامتداداً لما سبقها من مواجهات، على صعيد حراك إسقاط النظام الطائفي الذي انطلق على وهج الانتفاضات الشعبية العربية، وحراك هيئة التنسيق النقابية وغيره من الحراكات النقابية الأخرى من أجل المطالب الاجتماعية، والحراك الشعبي الذي انفجر مع ملف النفايات والتي أبدت جميعها شجاعة استثنائية بتوجيهها أصابع الاتهام مباشرة إلى قوى السلطة الفاسدة وتسمية الأشياء بأسمائها.

فعلى وقع هذا المسار التصاعدي ونتائجه الإيجابية، علينا البناء ومتابعة المعركة هذه المرة في قانون الانتخابات النيابية التي تحاول قوى السلطة اليوم إعادة إنتاج نفسها من جديد استناداً إلى قانون الستين التي تسعى لاعتماده، آخذين في الاعتبار طبيعة هذه المعركة التي تتميز عن سابقاتها باعتبارها ذروة المواجهة السياسية مع السلطة ولا بد من النظر اليها على هذا الأساس.

إن ذلك يعني وجوب إطلاق المواجهة الشاملة على الصعد كافة، السياسية والنقابية والشبابية والمدنية والبلدية والشعبية، وطرح مطالب كل الفئات الشعبية المتضررة من سلطة الفساد وتجميعها دفاعاً عن حقوقها التي لن تتحقق ما لم يفرض على قوى السلطة التراجع عن إقرار قانون الستين واعتماد النسبية والدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي كعنوان أساسي لهذه المعركة.

إن هذه المعركة تتطلب إطلاق كل التحركات الحزبية من لقاءات واعتصامات وتظاهرات تحت هذا العنوان والتحرك على أساسه، بمختلف السبل والأشكال الديموقراطية، مع سعينا لتجميع القوى المتضررة وتوحيدها على الأرض والانفتاح عليها وتوسيع الحوار معها من أجل تحقيق خرق سياسي يضمن صحة التمثيل في الانتخابات النيابية، خصوصاً أن قوى السلطة، بعد الانتخابات البلدية، سوف تستشرس، أكثر من أي وقت مضى، في العمل ضد أي إصلاح في قانون الانتخابات بعدما أظهرت النتائج الحجم الكبير للاعتراض الشعبي على أدائها.

وفي هذا السياق، وعملاَ بالمثل القائل «اضرب الحديد وهو حام»، وتثميراً لما توصلنا اليه من نتائج في الانتخابات البلدية، ندعو لمتابعة الحراك البلدي وتصعيده عبر بلديات الظل والجمعية الديموقراطية لتنمية العمل البلدي وغيرها من الأطر المدنية والشعبية، باعتبار العمل البلدي حقلاً أساسياً من حقول الصراع القائم ضد نظام الزبائنية والاستتباع والتنفيع وتعميم ثقافة الفساد. إن حقوق الناس التي لا نطالب بها تصبح بالنسبة إلى بعضهم مكرمة قدمها لهم هذا الزعيم أو ذاك.

إن الحراك البلدي لتحقيق البرامج التي على أساسها محضت الناس ثقتها للوائح التغيير الديموقراطي، جزء لا يتجزأ من هذه المواجهة الشعبية الشاملة، سواء على مستوى المطالبة بالحقوق التنموية المحلية أو على مستوى المطالبة بما هو وطني ومشترك للبلديات عموماً وفي مقدمها تعديل قانون البلديات واعتماد النسبية وتحرير أموال البلديات من سوكلين وأخواتها، وتعديل قانون الإقامة والسماح للموظفين بالترشح لعضوية المجالس البلدية بدون الاستقالة إذا ما نجحوا. وما يطال الحراك البلدي يطال أيضاً الحراك النقابي ووجوب تصعيده، لا سيما أن اجتماعات اللجان النيابية المشتركة مفتوحة، ليس لإقرار سلسلة الحقوق والمطالب المعيشية الأخرى بل لتكرر مسرحيتها في تضليل الرأي العام بتأييدها للنسبية.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني