ارتبكت الدول في التعامل مع لبنان في ذكرى الاستقلال في غياب رئيس للجمهورية توجه اليه عادة برقيات التهاني في المناسبة باعتباره رمزاً للدولة وسيادتها. ففيما وجه الرئيس الاميركي باراك اوباما رسالة الى “الشعب اللبناني” أعرب فيها عن الاسف لمرور هذه الذكرى من دون وجود رئيس منتخب، توجه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند برسالة الى رئيس الحكومة تمام سلام دعا فيها الى انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت في حين ان رؤساءغالبية الدول الاخرى التزموا الصمت. وقد اعتبرت مصادر معنية ان البرقيتين لا تخلوان من حيث عنوانيهما على الاقل من عناصر ضغط ضمنية من اجل حض المسؤولين اللبنانيين على القيام بواجباتهم على هذا الصعيد كما احراج الدول الاقليمية المعنية على عدم الاستمرار في تعطيل ملء موقع الرئاسة الاولى بحيث اتى الموقفان تكملة او متابعة للبيان الصحافي الاخير الذي صدر عن مجلس الامن الدولي بهذا المعنى قبل عشرة ايام معبراً عن مجموع دول المجلس، الا انها لم تخرج من حذرها ازاء توقع اي جديد على هذا الصعيد في المدى المنظور.
فعلى قاعدة “لننتظر ونرَ”، تختصر مصادر ديبلوماسية أجنبية رؤيتها لما يتم تداوله من سعي من اجل اقامة حوار بين تيار المستقبل و”حزب الله” على رغم الترحيب المبدئي بالحوار وبكل محاولة تصب في هذا الاطار. فالأمر الجيد، في رأيها، يكمن في ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اطلق الكلام على مؤشرات ايجابية على اثر التمديد للمجلس من اجل استيعاب الرفض اللبناني لهذا التمديد ومن اجل استيعاب انزعاج بكركي على الالتقاء السياسي على التمديد للمجلس من دون تعميم هذا الالتقاء على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكنه سارع الى توظيف الكلام الايجابي الذي صدر عن الرئيس سعد الحريري ابان احداث طرابلس الاخيرة والذي كان محرجاً جداً لخصومه عدم تلقفه كما سعى الى توظيف رد فعل الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على كلام الحريري رمى من خلاله الى احراج الاخير ورمي الكرة في ملعبه. لذا يعطي بري انطباعات حيال جدية قيامه بمساع من اجل فتح حوار بين المستقبل والحزب اقل ما يقال في شأنها انها تساهم في ترييح الاجواء وتخفيف التشنجات في هذا التوقيت على اساس الاستعدادات المتبادلة للحوار والتي لا تقل أهمية عن الحوار في ذاته خصوصاً اذا استغرقت بعض الوقت بما يسمح للبنان التنفس براحة اكبر ولو لم تؤد هذه المساعي الى اي نتيجة عملية. الامر الايجابي الاخر هو الايحاء بأن بري يعمل من خارج انتظار الاجندة الاقليمية بمعنى انتظار محطات معينة على غرار ترقب نتائج المفاوضات الجارية بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي. ومع ان رؤساء البعثات الديبلوماسية لعواصم دول مؤثرة جهدوا مراراً وتكراراً في محاولة اقناع السياسيين بعدم ربط استحقاقاتهم وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية بالمفاوضات حول النووي الايراني لان هذه المفاوضات لا تشمل ولا تعني في اي شكل ربط اي ملف اقليمي بها ولا سيما الوضع في لبنان، فإن ثمة رهانات كانت ولا تزال مستمرة على موعد 24 تشرين الثاني الموعد النهائي للاتفاق على هذا الملف كمحطة لقلب الأوراق او خلطها في موضوع الانتخابات. وتاليا، فإن غياب الاتفاق بحلول هذا الموعد اليوم اياً تكن طبيعة الآلية التالية التي ستعتمد اما لتمديد المفاوضات أو أي أمر آخر، سيسقط بدوره محطة رهان اضافية من المحطات التي ربط بها الاستحقاق لدى العديد من الاوساط السياسية في لبنان. ولا تتوقع هذه المصادر ان يعني اطلاق بري مساعيه انه سينجح في احراز اي نتيجة خارج المعطيات الاقليمية التي تبقى متحكمة بمسار الوضع اللبناني، ولو ان هذه المصادر دفعت بالنيابة عن الادارات السياسية في عواصم بلدانها في اتجاه الابقاء على القرار لبنانياً داخلياً قدر الامكان ومحاولة عزل الخارج من دون جدوى، لكن احداً لا يمكنه ان ينكر على بري براعته في محاولة تظهير “لبننة” محاولة الوصول الى حل او التحضير لمواكبة اي تطور ايجابي خارجي من اي نوع، ذلك على رغم ان احداً لا يرى هذا الحل في الافق على الاقل بالنسبة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبعض هذه المصادر ممن يلتقي فريقي 14 و8 آذار وليس واحداً من دون الآخر يبدي شكوكاً على قاعدة ان المصادر تلمس تعاطياً فوقياً من قوى 8 آذار استناداً الى ما توحيه هذه القوى بثقة عن امتلاكها اوراق قوة على غير ما هو موقع خصومها، ما لا تتوقع بنتيجته ان يساعد في اي حوار.